أكدت مؤسسة جولبال ويتنس، أن ليبيا تخسر ملايين الدولارات سنويا بالإحتيال في استعمال منظومة الاعتمادات المستندية المسيرة من طرف مصرف ليبيا المركزي ، في حين أن منظومة الاعتمادات المستندية تمثل عنصراً حيوياً في تلبية احتياجات ليبيا من الواردات .
وأوضحت في تقرير لها اليوم الجمعة أن ليبيا عانت من العديد من صفقات الإعتمادات المستندية التي تمر عبر المصارف إلى لندن، ونظرا للنقائص الموجودة في قوانين محاربة تبييض الأموال، تركت بريطانيا ونظامها المصرفي مفتوحا على مصراعيه للجرائم المالية.
وقالت المؤسسة إن المعلومات المالية التي نشرها مصرف ليبيا المركزي على الفيسبوك أنشأت منها المؤسسة قاعدة بيانات تحتوي على صفقات إعتمادات مستندية نشرت ما بين شهري إبريل ويوليو 2020 والتي تقارب قيمتها 2.5 مليار دولار، بالإضافة إلى الاستناد إلى مقابلات أجريت مع مصادر سرية.
وتساءلت بعد هذه المعلومات التي وصلت إليها عن كيفية تصرف ليبيا في أموال الإعتمادات المستندية، وكيف أثرت هذه المنظومة على توازن القوى بين المؤسسات الليبية وما إذا كانت العناية الواجبة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لدى المصارف المرسل إليها في بريطانيا قوية بما فيه الكفاية للتفريق بين الإعتمادات المستندية الحقيقية والعائدات المتأتية من الجريمة وفقاً تقرير المؤسسة .
وقالت المؤسسة أنه إلى غاية نوفمبر 2020 كان مطلوبا من المستوردين استعمال منظومة الإعتمادات المستندية، وإدراج شركة أو كيان في قاعدة بيانات، وتجدر الإشارة إلى أن هذا ليس بأي حال من الأحوال اتهاما بارتكاب أي نوع من الأفعال أو السلوكيات غير المشروعة أو المشتبه فيها وفقا للتقرير، ومع ذلك، فإن قاعدة البيانات تتيح أنواعا من التحليلات التي لم تكن متاحة للعامة من قبل بحيث تظهر في مجملها تركيزات غير مرجحة للإعتمادات المستندية حول مواقع وسلع معينة.
وأوضحت المؤسسة أن العدد الضخم في إصدار الإعتمادات المستندية يشير إلى جريمة مالية سارية في منظومة الإعتمادات المستندية والتي تكلف الكثير للخزينة العامة الليبية، مبينة أن وتيرة إصدار الإعتمادات المستندية بين شهري إبريل ويوليو 2020 فاقت بشكل غير مسبوق الطلب على بعض السلع.
وأكدت المؤسسة أن التساؤلات حول تسيير الإعتمادات المستندية إلى المشتريات الحكومية تمتد إلى كيفية حدوث إعتماد مستندي لمولدات طاقة بقيمة 110 مليون دولار إلى شركة إماراتية لا صلة لها بالمشروع عن طريق تغيير طفيف في اسم الشركة المتعاقدة، و شرع في تسديد المبلغ عبر مصرف مملوك لليبيا في لندن قبل ان يوقف الإعتماد المستندي “للإشتباه في وجود فساد” ، وفقاً للمؤسسة .
ولفتت المؤسسة إلى أن مسؤولون كبار في مصرف ليبيا المركزي يتولون مناصب إدارية في مصارف تجارية مملوكة من طرف ليبيا في الخارج، ما يعد تضارب صريح في المصالح، وإن معظم الإعتمادات المستندية الليبية تدخل النظام المالي الدولي عن طريق مصرف International PLC ABC الذي مقره في لندن وهو مصرف تجاري مملوك بشكل غير مباشر من طرف مصرف ليبيا المركزي ويرأسه محافظه الصديق الكبير.
وكشف التقرير عن ثغرات خطيرة في القوانين البريطانية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بخصوص “المصارف المرسل إليها” مما تجعلها غير فعالة في تحديد الاحتيال في مجال تمويل التجارة، تمويل النزاعات وغيرها من أنواع الجرائم المالية.
وأوضحت المؤسسة أنها لجأت إلى استخدام قنوات التحقيق مفتوحة المصدر، وأنشأت للإعتمادات المستندية الصادرة لصالح القطاع الخاص والتي تقارب قيمتها 2.5 مليار دولار في الفترة ما بين شهري إبريل ويوليو 2020 وبمقارنتها بالبيانات التجارية للسنوات السابقة، ونرى أن أموال الخزينة الليبية تتدفق إلى الخارج بشكل أسرع من دخول السلع المعنية ، وأن التفسير الأقرب من الحقيقة هو استمرار الاستعمال السيء للمنظومة على نطاق واسع وبتكلفة معتبرة للخزينة العامة الليبية وفقاً للتقرير .
وقالت المؤسسة إن الاعتمادات المستندية للقطاع العام تضع المال العام في أيدي الخواص ، وتوضح الوثائق التي تطلعت عليها جلوبال ويتنس (Global Witness) كيف لإعتماد مستندي لمولدات كهربائية بقيمة 110 مليون دولار كان الغرض منها تلبية الإحتياجات الحيوية من الطاقة للشعب الليبي تم تحويلها إلى شركة إماراتية حديثة التأسيس تحمل اسم شبه مطابق للمتعاقد الأصلي الأمريكي-جنوب إفريقي، ولا توضح هذه الحالة ضعف منظومة الإعتمادات المستندية فحسب، بل تبين كيف أن السيطرة على العملة الأجنبية لليبيا قد أعطت لمصرف ليبيا المركزي تأثيرا كبيرا على كيفية إنفاق السلطات العمومية للمال العام وفقاً للمؤسسة .
وبينت أن لهذا أيضا صلة أوسع بالرقابة والمساءلة للمصارف المركزية على الصعيد العالمي، مع ظهور ضوابط رأس المال والصرف من جديد، وعمليات إنقاض القطاع المالي والإنفاق على جائحة COVID-19 مما أدى إلى تضخم ملحوظ في كشوف حساباتها وإتساع نطاق عملها في العديد من البلدان، وعالميا، المصارف المركزية تضع مبالغ أكبر من أي وقت مضى من المال العام في أيدي القطاع الخاص ويحق للمواطنين معرفة كيف يصرف المال العام.
ونوهت المؤسسة إلى أن مصرف ليبيا المركزي يمتلك شبكة من “مصارف مراسلة” تجارية تمتد عبر خمس قارات، ويبدو أن الوسيط الرئيسي للإعتمادات المستندية هو مصرف ABC حيث يمتلك مصرف ليبيا المركزي بصورة غير مباشرة الأغلبية فيه والذي مقره في لندن ورئيسه محافظ مصرف ليبيا المركزي ، وتعتبر جلوبال ويتنس (Global Witness) أن هذا الدور المزدوج تضاربا صارخا في المصالح، على أساس أنه منصب قيادي مدفوع الأجر في مؤسسة تستفيد من تعاملاتها مع مصرف ليبيا المركزي ، ويثير أيضا هذا الترتيب تساؤلات حول استقلالية مصرف ABC فيما يخص العناية الواجبة عند معالجة الإعتمادات المستندية الليبية ، وفقاً للتقرير .
وكشف التقرير عن رفض مصرف ABC مخاوف جولبال ويتنس وأصر على “أنه يأخذ التزاماته المتعلقة بمكافحة الجريمة المالية بجدية بالغة ويحرص على الامتثال للشروط التنظيمية الواجبة التطبيق ولأفضل الممارسات الدولية”.
كما أصدرت جولبال ويتنس توصيات حول هذا الموضوع وقالت أنه يجب على السلطات العمومية في ليبيا أن تضع الشفافية المالية في قلب حوارات السلام، بدءا من منظومة صرف العملات الأجنبية مثل الإعتمادات المستندية ، وهذا أمر أساسي يساعد في بناء الثقة في المؤسسات العمومية في هذه اللحظة المحورية للبلد.
وأكدت المؤسسة على ضرورة أن يقترن دور المصارف المركزية المتزايد عالميا في الصرف المباشر للأموال بزيادة المساءلة والرقابة على إدارتها للمال العام ، كما أن هناك حاجة ماسة لمعايير أكثر صرامة حول العناية الواجبة ومكافحة تبييض الأموال لدى المصارف المراسلة ،وتقع هذه المسؤولية على عاتق بريطانيا والإتحاد الأوروبي وغيرهما من المنافذ إلى النظام المالي الدولي.