في مثل هذا اليوم الموافق 11 يونيو 2020 تطل علينا الذكرى الـ 50 لإجلاء القوات والقواعد الأمريكية عن الأراضي الليبية #قناة_الجماهيرية_العظمى_قناة_كل_الجماهير
يمثل هذا اليوم عيدًا لدى جميع المواطنين حيث استعادوا حقهم الشرعي وقام بطرد آخر أذيال المستعمر من تراب ليبيا، ففي 28 مارس 1970 أعلن الشعب الليبي رفضه التام لوجود قواعد عسكرية أجنبية فوق أراضيه وتم إجلاء القوات والقواعد البريطانية، وفي 11 يونيو من نفس العام (ذكرى هذا اليوم)، ليسطر التاريخ بحروف من نوم هذا اليوم كعيدًا لـ«الجلاء».
لمحة تاريخية موجزة
بالعودة إلى تاريخ خروج الإستعمار من ليبيا، ومع صدور قرار الاستقلال رقم (289) في 21 نوفمبر 1949، القاضي باستقلال ليبيا، دخلت الحكومة الأمريكية في يناير 1952، في مباحثات حثيثة مع رموز المملكة الليبية وحكومتها المؤقتة لتنظيم وجود قواتها في البلاد بمقابل مالي والملفت أن التاريخ المحدد للإستقلال هو نفسه اليوم الذي وقعت فيه اتفاقية القواعد الأمريكية.
وكانت مباحثات الولايات المتحدة الأمريكية قد أسفرت من خلال القائم بأعمالها في طرابلس” اندروج لنش” مع نظام “الملك إدريس” لوضع نصوصٍ لاتفاقيةٍ شاملة، أقرها الملك إدريس السنوسي، ثم أصدر أوامره إلى رئيس وزرائه محمود المُنتصر بالتوقيع عليها، فتم ذلك تحديداً يوم إعلان الاستقلال في 24 ديسمبر 1951، وهذه الاتفاقية مؤلفة من سبع وعشرين مادة وأربعة كتب متبادلة، مُنِحت أمريكا بموجبها ما يلي:-
– حق السيطرة الكاملة على الأجواء والمياه الليبية وحرية الوصول والحركة للقوات الأمريكية في جميع أجزاء ليبيا.
– سمحت لأمريكا ودول أخر أو أشخاص آخرين باستعمال القواعد العسكرية الأمريكية.
– إعفاء القوات الأمريكية من جميع الرسوم والضرائب وعدم سريان القانون الليبي على أفراد هذه القوات “وما يجري في القاعدة”.
لقد كانت كل تلك الحقوق المُعطاة لأمريكا مقابل مليون دولار تدفعها الحكومة الأمريكية كل سنة لليبيا ، تحت ستار”خير الشعب الليبي ومساعدة الحكومة الليبية في إدراك اقتصاد مُستقرٍ للمواطنين”
كان من المفترض أن تُعرض الاتفاقية على البرلمان الليبي (مجلسي النواب والشيوخ) بمجرد تكوينه لإبداء الرأي فيها، لكن ذلك لم يحدث إلى أن أُثيرت من قبل أحد أعضاء مجلس النواب في 5 يوليو 1952، بالتساؤل عن الوضع بشأن مطار الملاحة وتوسع السلطات الأمريكية في الاستيلاء على بعض الأراضي الزراعية المجاورة لضمها للمطار، وما إذا كان هذا الإجراء يتم بموجب اتفاقية أُبرمت، فإذا كان الأمر كذلك، فهل تنوي الحكومة عرض هذه الاتفاقية على المجلس لينظر فيها أم أنها وضعتها موضع التنفيذ بدون أن تلتفت إلى (الاعتبارات الدستورية).
وأجاب محمود المُنتصر على هذا التساؤل في 21 يوليو 1952 قائلًا: “استجابت الحكومة الليبية لهذا العرض (الأمريكي لإجراء مفاوضات لتنظيم الوضع القانوني لقواتهم في ليبيا) لإقرار وضع قائم في ظروفٍ يتطلبها الأمن العالمي، وهذا وضع يتفق مع مصلحة البلاد ولا يتنافى مع سيادتها واستقلالها، وقد وقعه وزير الخارجية يوم إعلان الاستقلال، وذلك بالنيابة عن الحكومة الليبية، وسيعرض هذا الاتفاق على مجلسكم في أقرب فرصة، لمناقشته وإقراره”.
من هنا نرى أن الاتفاقية قد وقعت رسمياً وعَملت بموجبها أمريكا دون أن يُقرها المجلس الدستوري مجلس النواب، كما حملت بقية إجابات محمود المنتصر الموافقة الكاملة على الاحتلال العسكري الأمريكي لليبيا على أساس أنه أمرٌ واقع، بقوله: “إن وجود القوات العسكرية الأجنبية في ليبيا والأمريكية منها بوجه خاص هو وضعٌ قائمٌ ضمن السياسة الدولية الرامية إلى المحافظة على السلام في العالم، وأن الحكومتين الليبية والأمريكية لا تبتعدان عن روحه في علاقات بعضها ببعض، وصحيح أن المطار يقع في ناحية زراعية مهمة كما أنه قريب من مدينة طرابلس الغرب، فقد اتسعت رقعته (المطار) بأن استأجرت قيادة المطار الأراضي التي كانت في حاجة إليها، فلا يبقى أمامنا إلا قبول الأمر الواقع فيما يخص المطار”.
وكان بإمكان الحكومة الليبية في تلك الفترة أن تطالب بإنهاء الآثار الاستعمارية أو تلجأ للأمم المتحدة لطلب عونها لإخراج القوات الأجنبية من أراضيها لكنها لم تفعل ذلك، ورفضت مشاركة المنادين بتطهير أرض ليبيا من القوات الأجنبية، أثناء اجتماعات اللجنة السياسية لهيئة الأمم المتحدة في باريس يوم 22 يناير 1952، كما أن رد رئيس الوزراء الليبي السابق في البرلمان كان الدليل الحي على دخول الاتفاقية موضع التنفيذ عندما وسّعت القيادة الأمريكية مطار الملاحة في الأراضي الزراعية المجاورة، وفي 5 يناير1953 تساءل أحد أعضاء مجلس النواب مجدداً عن الاتفاق المعقود مع أمريكا بشأن القواعد الأمريكية في ليبيا، ولماذا لم يُقدم هذا الاتفاق للمجلس حتى اليوم، حيث أجاب وزير الدفاع الليبي “علي الجربي” نيابة عن رئيس الوزراء ووزير الخارجية: “بأنه سبقت الإجابة على هذا السؤال سابقاً، وأن الاتفاقية ذات صبغة مؤقتة بموجب رسالتين تم تبادلهما بليبيا يوم الاستقلال، وأن الاتصالات مازالت جارية بين الحكومتين”.
من خلال العرض الموجز السابق لتلك الاتفاقية وبنودها للطرفين، كان هناك اتفاقيات أخرى جرى على إثرها توسعات على القاعدة، فالوضع وصل لاتفاقية كاملة لها نصوصها وبنودها والتزاماتها وكانت المحادثات الثنائية حولها حثيثة قبل الاستقلال مثلما أوضحنا سابقاً، كما أن الحكومة الليبية أخفت عن مجلس النواب حقيقة هذه المباحثات التي استمرت مجدداً في الفترة من أغسطس 1953 حتى 28 فبراير 1954 بعد مطالبات من الحكومة الليبية في شخص محمود المنتصر لزيادة أجور استخدام القاعدة التي اعتبرتها أمريكا نهائية بموجب الاتفاقية، ثم وافقت على ذلك بشرط بقاء جميع مواد الاتفاقية المبرمة في 24 ديسمبر 1951 دون أي تعديل.
ثورة الفاتح
واستمر الاحتلال الأمريكي غير المباشر لليبيا حتى قيام الثورة في 1 سبتمبر 1969 والتي طالبتهم بالجلاء الكامل والفوري عن ليبيا تنفيذاً لأحد أهدافها الأساسية ألا وهو الحرية، وقد تقرر الإجلاء في 11 يونيو 1970، وبهذا تحقق الجلاء الأمريكي الكامل عن أرض ليبيا كما كان الإجلاء فاتحة لعلاقات ندية ليبية أمريكية جديدة ومختلفة عما سبق.
وثيقة أمريكية
كشفت وثيقة مفرج عنها من قبل المخابرات المركزية الأمريكية، بتاريخ 3 أغسطس 2005، عن قبول الحكومة الأمريكية الانسحاب من قاعدة (ويليس) الجوية بطرابلس بعد لقاء جمع مجلس قيادة ثورة الفاتح وممثلين عن الولايات المتحدة الامريكية بتاريخ 11 ديسمبر 1969.
وبينت الوثيقة أن المفاوضات الرسمية بين مجلس قيادة الثورة الجديد والأمريكان بدأت بتاريخ 15 ديسمبر 1969.
وأكدت الوثيقة إجبار الأمريكان من قبل القيادة الليبية على سحب قواتهم وقواعدهم من ليبيا خلال 100 يوم، كما أُجبرت بريطانيا على إجلاء قواعدها، مبينة أن المملكة المتحدة قد عقدت أول جلسة تفاوض بشأن إخلاء قواعدها، طالب فيها الليبيون بانسحابها على وجه السرعة، حيث اتفق وفد المملكة المتحدة بالإجماع على أنه يجب أن يقدم إطاراً وتاريخًا محددًا للانسحاب في الاجتماع الثاني يوم 13 ديسمبر.
وأشارت الوثيقة، إلى رفض القيادة الليبية للمهلة التي طلبها الأمريكان للرحيل والمتمثلة في مدة زمنية من ستة إلى تسعة أشهر، كما أضافت الوثيقة، أن هناك عناصر في وزارة الدفاع الأمريكية كانت تؤيد تمديد المهلة لأطول فترة ممكنة، لعدة أسباب، منها إمكانية استئناف التدريب الجوي، والخوف من دعوة الليبيين لعناصر معادية لإدارة القاعدة، والاعتقاد بأن التعجيل بالانسحاب سيشجع مجلس قيادة ثورة الفاتح لاتخاذ إجراءات مستعجلة تضر بالولايات المتحدة على نحو خطير، ومصالح النفط.
وعبر الامريكان عن اعتقادهم أن الليبيين لن يسمحوا بأي تدريب مستقبلي وأن الاتفاق الأمريكي على الإجلاء بشكل عادل، بما في ذلك تحديد موعد للانسحاب، سوف يفيد مصالح الولايات المتحدة النفطية في ليبيا، في الوقت الذي يحاول فيه إما إقصاء الولايات المتحدة أو ستكون المفاوضات ذات نتائج عكسية.
وأوضحوا أن إخلاء جميع القوات الأجنبية هي أول أهداف السياسة العامة للحكم الوطني الليبي، وهو رهان يعكس رغبات معظم الليبيين الناشطين سياسياً.
وأشارت الوثيقة إلى سعي مجلس قيادة الثورة في اجتماع القمة العربية الذي عقد في 20 ديسمبر 1969م إلى إعلان موعد محدد لإجلاء القوات والقواعد البريطانية والأمريكية، مؤكدة أن مصلحة ليبيا في إنتاج النفط الخاضع لسيطرة أجنبية هي في المقام الأول مالية وليست سياسية.
كما أكدت أنه طالما أن العلاقات السياسية الليبية الأمريكية مقبولة، فإن ليبيا أقل عرضة لمضايقة المنتجين الأمريكيين، مشيرة إلى حصول ليبيا على 1.3 مليار دولار من عائدات النفط في عام 1969.