محمد أحمد يكتب// القمة الإيطالية الافريقية هل هي بدايات تنافس استعماري
أنتهى القرن التاسع عشر بموجات احتلال عسكري مباشر من الدول الغربية لمناطق الفراغ في الشرق الأقصى، الأوسط وعموم أفريقيا. كان التنافس الاستعماري طوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر بين قطبي القوة الاوربية فرنسا وبريطانيا معززتين بالثورة الصناعية التي أطلقتها طاقة الفحم والبخار وأكدتها القوة العمياء للديناميت مع سند ثقافي حضاري أنساني عميق تجلى في مجالات الأدب والسياسة التي أتبعت عصر التنوير والعلمانية الأوربية مع توظيف اكتشافات العالم الجديد أمريكا وأستراليا في بناء قوة حضارية متكاملة اكتسحت الحضارات الأخرى التي ظلت قابعة بين أسوارها في روسيا وتركيا ويوراسيا والصين على جميع أوجه القوة الثقافية قبل العسكرية.
حروب القوة والنفوذ الأوربية التي تسلست من حروب نابليون الاوربية إلى الحروب العالمية أعادت تشكيل العالم ودفعت القوى التي خاطرت بتوسع أكبر من امكانياتها الذاتية مثل بريطانيا ثمنا غاليا بعد أن تم استبعادها تماما من الصراع العالمي الكبير. في بدايات القرن العشرين كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانية الغربية “روما” تتجرع السم المر وهي ترى أساطيل غريمتها التاريخية فرنسا تجوب البحار وما وراء البحار في العالم القديم الذي كان ملكا خالصا لقيصر روما وفي العالم الجديد الذي التحق به أحفاد القيصر كخدم في رتبة أعلى من الرقيق الأسود القادم من أفريقيا.
في لحظات الوهم ولم تكن إيطاليا آنذاك قد وصلت للحظات النشوة الفاشية بعد تهيأ لمعتنقي الميكافيللية أن التلون وإظهار العضلات سيكون طريقا للخروج من الشرنقة. قررت الملكية الإيطالية أن تتبع مبدأ التوسع خلافا للسلوك الذي أتبعته لما يقرب من أربع قرون حين قبعت خلف أسوار روما بعد هزيمتها في حوض المتوسط. خرجت روما لتلاحق هانيبال الذي أراد أن يغزوها بأفياله ولم تعود إليها ألا بعد أن دحرتها قريش ولاحقتها إلى أسوار بواتييه (بلاط الشهداء).
لم يكن الشيخ الصوفي (عمر المختار) سوى علامة ربانية وواقع دنيوي ليشير أن تلك الإمبراطورية الدموية لم يكن لها أن تستمر حتى بدون وقوع الحرب العالمية الثانية، وأن عليها أن تعترف بحدود قدراتها وامكانياتها ليس في مواجهة شعب أعزل فقط، بل أيضا مدى قوتها في العالم الجديد.
كانت هذه مقدمة تاريخية ربما ينقصها الكثير، ولكنها حاولت أن تبرز أهم المحطات لفهم واقع اليوم ومآلات المستقبل.
هي مقدمة ضرورية لنتجنب سفك دمائنا والاستهتار بقيمنا وحضارتنا، مع عدم التنازل عن حسن النية ألا أن الاحتياط واجب. أن الدروس التاريخية تفيدنا بأن الالتفاف علينا من الخلف له ثمن باهظ، أثيوبيا تم احتلالها عسكريا من قبل إيطاليا في 1896 أي قبل الغزو الإيطالي لليبيا بخمس عشرة سنة. تجنيد الاثيوبيون والاريتريون لغزو ليبيا لا يزال ماثلا على الأقل في “فيلم عمر المختار” لمن لا يحب القراءة. بدايات مشابهة إلى حد كبير تنافس سياسي مرير بين إيطاليا وفرنسا على المصالح الخارجية وأفريقيا في المركز الحيوي لهذا التنافس. ضعف وهزال إيطالي على جميع الأصعدة العسكرية والمالية والفنية والحضارية، مقابل رفض أفريقي لقوة ونفوذ فرنسا الجامحة الصلبة. ما يزيد الوضع تعقيدا اليوم هو التنافس الإضافي القادم من روسيا والصين لامتلاك النفوذ في الأرض البكر والفراغ السياسي.
الفحم والبخار قديما مقابل اليورانيوم والذهب اليوم، وبينما تتضاءل احلامنا في جعل أفريقيا ظهيرا وسندا لنا في شمال أفريقيا عموما وهي تحتجز مياه النيل خلف سدودها، وتصدر لنا جيوش زاحفة للهجرة نحو أوربا، وتملأ فراغتنا الديموغرافية في مرزق والجنوب الليبي والجزائري والمصري، وحتى دفاعاتنا عن فلسطين وغزة في المحاكم الدولية، هناك خطر آخر قادم من المتوسعين الصين، روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا، وأخيرا إيطاليا.
اليوم أكثر من أمس علينا أن نتمسك باتفاقية الاعتذار والتعويض العادل عن فترة الاستعمار، علينا أن نطور استراتيجية لتنظيم الربط بين أفريقيا وإيطاليا عن قنواتنا وهناك أرضية لذلك عملت عليها الدبلوماسية الليبية لفترة طويلة من الزمن، الحذر وعدم الوقوع في الاحتكار السياسي والاقتصادي الإيطالي والذي للأسف يبدو اتجاها غالبا مع بعض النخب السياسية.