الدكتور عبد الله عثمان يكتب: ليبيون ..خطرها على مشروع ليبيا الغد
أولا /
المدخل المنهجي :
(1)’
على ضرورة احترام وتقبل “الحق في الاختلاف والنقد” .. وفي ان يكون لدى البعض ملاحظات على اي برنامج يستهدف التغيير او الاصلاح او التطوير.. بل يصل الأمر الى اعتباره “حق مقدس” يجب الدفاع عنه وحتى “دسترته ” لاحقا .. وان لم نتفق معه .. شريطة ان يمارس هذا “الحق ” على كل ماله علاقة بحركة المجتمعات واحداثها ومحطاتها وشأنها العام بطريقة : تاريخيّة وليست ايديولوجية .. كلية وليست جزئية .. عمومية وليست انتقائية ..
(2)
على ضرورة تجنب “مغالطة الحكم” على برنامج ليبيا الغد انطلاقا من النتائج التى ترتبت على مقاومته وإجهاضه.. لأن الحكم عليه ينبغي ان يتم انطلاقا من تفهم الحاجة اليه واهدافه وغاياته وتفاصيل مراحل وخطوات تنفيذه .. والتى كان يمكن إذا تم اكمالها – حسب وجهة نظر البعض – ان تجنب بلادنا ماترتب على مقاومته وإفشاله ..
(3)
على ضرورة تقبل النقد الشائع الذي يوجه إلى برنامج ” ليبيا الغد ( 2000-2008 ) في جميع المجالات التى تصدى لها .. و التى يمكن ان يتم قبول إبداء الاراء الحريصة حولها والملاحظات الموضوعية عليها .. خاصة وانه برنامج تناول القضايا التى تمس الحياة اليومية لكل مواطن وما يود ان يحدثه من تغيرات فيها ( قضايا الإصلاح الاقتصادي .. او حتى كيفية ادارة البرنامج التنموي للبناء والإعمار .. والذي انطلق بسرعة فائقة وبعد سكون وتوقف لفترات طويلة ) ..
(4)
على عدم تفهم تقبل النقد الشائع الذي يوجه إلى نقاط قوة ” مشروع ليبيا الغد – للمفارقة – المتمثلة في توسيع المجال السياسي .. وفي الدفاع عن حرية الرأي والحق في التعبير .. او دوره في معالجة الكثير من التعديات والتجاوزات والمظالم – التى وقعت قبل ظهور هذا البرنامج وليس اثنائه او بعده – حين تولى فتح ملفات القضايا الحقوقية مثل قضية سجن أبوسليم .. او الانفتاح على قبول الاراء المختلفة وحتى المعارضة والسعي لادماجها ضمن نظام فعال ومنفتح .. اي ان يتم تقييم هذا البرنامج انطلاقا من نقاط القوة فيه – كبرنامج لرفع المظالم .. والانحياز لثقافة حقوق الانسان والمصالحة الوطنية وجبر الضرر والتعويض .. وهي الملفات التى “سبقته” ولم يساهم المشروع في وجودها بل في معالجتها ..
(5)
على ضرورة تجنب “مغالطة التفسير القسري” لمبادرات مشروع ليبيا الغد وفقا لإطار نظرية المؤامرة .. التى تتهم صاحب المشروع .. كساع لوراثة السلطة .. وكل من عمل معه او تفاعل معه او استفاد من مكناته .. وخاصة جهده في مسألة الانفتاح على المعارضة الليبية في الخارج ( التى ينبغي معرفة اسباب تحولها إلى معارضة في الخارج وليس معارضة ضمن اطار المؤسسات السياسية في الداخل ) .. او قضية اطلاق سراح سجناء الحالة الإسلامية من السجون الليبية في الداخل ( التى ينبغي معرفة لماذا لم تتم محاكمتهم وتطبيق العقوبات القانونية بحقهم .. وليس تجريم من حررهم او عفا عنهم ) ومهما كانت المواقف او الاصطفافات التى اختاروا القيام بها اثناء الاحداث اللاحقة ..
ثانيا /
المضمون الموضوعي :
على ” مغالطة المغالطات ” التى تتجاهل الإجابات الحقيقية على الاسئلة التى استدعت طرح مشروع ليبيا الغد .. ومنها :
(1)
اسئلة المجال السياسي :
هل كان “المشروع السياسي ” المتمثل في تجربة سلطة الشعب من خلال المؤتمرات واللجان الشعبية يتطور ويتقدم ليصبح نموذج يمكن له الدفاع عن نفسه من الناحية “العملية ” وليس من الناحية “النظرية” الصرفة .. ؟
ام ..
انها تحولت إلى شكل مهرجاني وديكور شكلي سنوي .. بالنظر إلى تناقص اعداد من يحضرونها .. وتغول سلطة وصلاحيات الادارة التنفيذية التى لا تأبه بما يقر فيها من توصيات و قرارات إلا في اطار ماتحتاجه منها للتغطية الإعلامية والقانونية لها ..
وهل كان الفصل بين السلطات واضحا وصريحا .. والذي استدعى الحاجة إلى الدستور “مشروع الميثاق الوطني ” الذي تولت لجنة من الخبراء الليبيين وضع مقترحه مستعينة بالخبرات والتجارب الدولية .. وهو النص الذي مزج بين تطور الفقه الدستوري المعاصر والتجربة والثقافة المحلية .. وكان جاهزا “كمسودة” منذ عام 2005 .. لكن موجة معارضته كانت قوية ومؤثرة .. والتى تحججت باستمرار الحاجة إلى “الشرعية الثورية ” واهمية تدخلاتها التى ظلت ملازمة لمشروع سلطة الشعب حتى عام 2011 ..
(2)
اسئلة المجال الاقتصادي :
هل كانت “الهوية الاقتصادية” الليبية واضحة المعالم ومتكاملة المستويات .. وهل تنطلق من معرفة الامكانيات الاقتصادية التى تؤدي إلى صناعة الثروة والرفاهية .. وليس كيفية توزيعها وتقاسمها .. ؟
ام ان ان “هوية الاقتصاد الليبي ” ظلت هوية متداخلة ومشوهة .. فرصتها السياسات الاقتصادية التى اكدت وعبرت عن نموذج الاقتصاد الريعي احادي المورد .. والذي تنقل بين “تجربة اشتراكية” لم تحقق المساواة او الفعالية او الرفاهية .. حين تحولت الى اشتراكية “القطاع الحكومي” وليس اشتراكية “القطاع العام” .. ولتصل إلى رأسمالية “هوامش الريع ” التى انتحت رجال الاموال وليس رجال الأعمال .. من تجار الاعتمادات والاستيراد دون تصدير .. وعززت ثقافة الاستهلاك دون انتاج او صناعة للثروة ..
ولماذا كانت هناك الحاجة “مبكرا” ومنذ 1988 إلى المعالجة التدريجية لإخفاقات هذه التجربة .. من خلال العودة إلى تجربة القطاع الخاص “المواربة” المتمثلة في شرعنة الموزع الفرد والتشاركيات والشركات المساهمة كقطاع خاص .. والتى استدعت ضرورة الإصلاح الاقتصادي الحكومي الذي حاول تقليص دور “الحكومة وليس الدولة ” في النشاط الاقتصادي .. والتى تم عرقلتها ومقاومتها حتى تم إجهاضها لصالح الشعارات الايديولوجية للاقتصاد وليس بمراعاة تأثير مقارنات ارقام ومؤشرات الفعالية والإنتاجية والنمو ..
(3)
اسئلة المجال الامني :
هل كانت المؤسسة الامنية خاضعة للرقابة القضائية والقانونية الملزمة .. ؟
وهل كانت هذه المؤسسة تضع في الاعتبار ثقافة المواطنة والعدالة وحقوق الانسان -المنتشرة كثقافة في عالم متعولم – رغم توفر الاساس النظري لها في المشروع السياسي الجماهيري .. ؟
ام ان المؤسسة الأمنية “تضخمت وتغولت” تحت تأثير تقدير طريقة التعامل مع ظروف المواجهات والتحديات الداخلية والخارجية .. إلى أن احتاج واقتنع “رموزها” بالحاجة الى عملية المراجعة والتصحيح وضرورة تسوية وقفل ملفات تلك الظروف والأزمان الغابرة .. والذين لجأوا إلى مؤسسة القذافي للتنمية لتكون “العنوان” الذي يتصدى لحل هذه الإشكاليات المزمنة وتفكيك الغامها وادارة تجربة المصالحات السياسية مع اطرافها .. بالرغم من انها “قضايا وملفات” ليست من صنعها .. لكنها تصدت لمعالجة آثارها بمراعاة الظروف الموجبة لها .. تعقلا او شططا .. ودون تقديم أكباش فداء او ضحايا لها ..
(4)
أسئلة المجال الخدمي :
هل كان مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والسياحية مرض او مقبول .. ؟ بالنظر إلى ماتمتلكه بلادنا من مقدرات وامكانيات جعلت من البعض لايستطيع تجاهل مقارنتها بالكثير من البلدان التى لاتتساوي معها في المدخلات وتفوقها في مخرجاتها وادارتها ..
ام ان شكل ومضمون ومستوى تلك الخدمات لم يكن بالمستوى المطلوب والمأمول .. بسبب ظروف عديدة منها موجبات وتراتيب واولويات المعارك الداخلية والخارجية .. والتى لايتم السؤال اليوم عن من صنعها او من كان مسؤولا عن السياسات التى أفضت إلى نتائجها .