يصادف اليوم الأربعاء الذكرى 111 لنفي آلاف الليبيين إلى جزر الجنوب الإيطالي على أيدي قوات الغزو الإيطالية بعد أسابيع من نزولها إلى شاطيء طرابلس وتصدي المقاومة الليبية لها في معركة الشط والهاني في 23 و26 من التمور أكتوبر العام 1911.
وبحسب الوثائق والمصادر التاريخية، فإن عدد المنفيين الليبيين وصل إلى حوالي 5000 آلاف شخص، جرى نفيهم إلى جزر، معظمها مهجورة شبه خالية من السكان، استخدمت كسجون من أبرزها جزر، تريميتي، وبونزا، واوستيكا.
وتشير المصادر إلى أن أولى عمليات النفي جاءت بعد برقية بالخصوص وجهها رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك جولييتي إلى الجنرال كانيغا الذي قاد عمليات القتل في طرابلس يقول نص البرقية:”ت 27979 ـ روما ـ 24 أكتوبر 1911ـ الساعة 16.45: من برقيتك لم يكن واضحا كيف يتطور القتال الذي كلف خسارة الضباط والجنود الذين ذكرتهم أنه من الضروري لنا أن نحصل على معلومات دقيقة وكاملة لمنع انتشار الأخبار الخاطئة في إيطاليا وفي الخارج حيث يمكن اعتبارها هزيمة لنا وهو الواقع الذي ينزع الثقة منا.. بالنسبة للمتمردين المعتقلين يجب ألا ينفذ إعدامهم هناك سأرسلهم إلى جزيرتي تريميتي في البحر الإدرياتيكي مع أولئك الموجودين تحت الإقامة الجبرية يمكن توجيههم إلى هناك مباشرة مع إعلامي بمغادرتهم وأن جزيرة تريميتي تستطيع استقبال 400 سجين إني مرسل إلى هناك مفتشا من الأمن العام لإعداد إقامتهم.
ويضيف جوليتي برقية لاحقة يأمر فيها كانيغا بإرسال أي عدد من الليبيين: “مستعجل إلى سعادة الجنرال كانيغا القائد العام بطرابلس أعتقد أنه من الأحسن الإضافة إلى برقيتي أنه بالإمكان وضع أي عدد من العرب حتى وإن كان يبلغ عشرات الآلاف في جزر تريميتي وقافينيانا وأوستيكا وفنينونتيبي وغيرها”.
وبدأت عملية النفي للفوج ﺍﻷﻭﻝ الذي وصل عدده إلى 594 من الأجداد الليبيين، ﺇﻟﻰ ﺟﺰﺭ ﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﺍﻟﻨﺎﺋﻴﺔ، ﻳﻮﻡ 26 ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ ﻣﻦ ﻋﺎﻡ 1911 ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ .
وفي ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺍﺳﺘﺄﻧﻔﺖ ﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻧﻔﻲ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻟﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﺑﺪءًﺍ ﻣﻦ ﻫﺰﻳﻤﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻬﺎ ﻭﺍﻟﻘﺮﺿﺎﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺧﺮﻳﻒ 1914 ﻭﺭﺑﻴﻊ 1915 ، ﺇﻟﻰ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ 1932، أما ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ فكانت ﻣﺘﻤﻤﺔ ﻟﻠﻤﺮﺣﻠﺘﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺘﻴﻦ حيث ﺒﺪﺃﺕ ﻣﻦ إﻧﺘﻬﺎﺀ ﻣﻌﺎﺭﻙ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ 1932، ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﺇﻟﻰ 1943.
وكان الهدف من عمليات النفي الممنهج التي لم ترحم نساء أو رجالا أو أطفالا أو كهولا من الليبيين، هو القضاء على حركة الجهاد، من خلال تفريغ الأرض الليبية من السكان، وبالتالي فقدان حركة الجهاد للعنصر البشري المحارب، حيث كان كان العلماء والمشائخ ، وقادة المجاهدين ، والشباب والرجال القادرين من ضمن العناصر التي نفيت .
كما سعت إيطاليا إلى إفراغ الأرض العربية الليبية من السكان الأصليين، فالقتل والمعتقلات والنفي وسائل تسهل على إيطاليا القضاء على السكان الليبيين، وإحلال مستوطنين من إيطاليا محلهم، ولهذا ضمت قوائم المنفيين النساء والرجال والشيوخ والأطفال على مختلف أعمارهم من الرضيع الذي لم يتجاوز عمره أيام، إلى الشيخ الطاعن في السن الذي تجاوز التسعين عاماً .
ويفترض أن تظل قضية المنفيين حية في ضمير وذاكرة الليبيين، ودين في أعناقهم جميعا رجالا ونساء، ولكن المسؤولين الليبيين اليوم نسوا هذا التاريخ من التضحيات ليعيدوا المستعمر إلى ليبيا من جديد.
وكانت ليبيا في عهد القائد الشهيد معمر القذافي، تهتم بإحياء هذه الذكرى في كل ربوعها، وكانت تعد طقوسا وإجراءات ملزمة تذكر بهذا اليوم الحزين، حيث كان يُعلن في مثل هذا اليوم الحداد رسميا حزنا على أجدادنا المنفيين في أرض الاستعمار، وتنفيذا لذلك قامت اللجنة الشعبية العامة في عهد الزعيم الراحل معمر القذافي بتكليف أمناء اللجان الشعبية العامة للقطاعات، وأمناء اللجان الشعبية والإدارية للهيآت والمؤسسات والشركات العامة، باتخاذ التدابير اللازمة تنفيذاً لقرار الحداد.
ومن بين الإجراءات التي كانت تقوم بها ليبيا تخليدا لذكرى آباءنا المنفيين، توقف حركة السير في مدن وقرى ليبيا عند منتصف اليوم لمدة 5 دقائق، على أن يقوم الليبيون الموجودين في إيطاليا في الوقت نفسه بزيارة مقابر المنفيين في الجنوب الإيطالي والترحم على أرواحهم الطاهرة.
وعملت ليبيا بقيادة الزعيم الراحل معمر القذافي على غرس روح الاحترام والوفاء للآباء المنفيين، حيث تم تخصيص الحصة الأولى بالمؤسسات التعليمية للحديث عن هذا الموضوع ومضامينه وتطوراته التي انتهت بإبرام معاهدة الصداقة والشراكة مع إيطاليا.
وفي عهد الزعيم الراحل معمر القذافي، اعتذرت إيطاليا عن جرائمها في حق ليبيا وأعربت في معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة مع ليبيا في 2008، عن إرادتها في مواصلة التعاون في البحث بشأن المواطنين الليبيين المنفيين قسراً من ليبيا خلال حقبة الاستعمار.
وتقضي الاتفاقية التي أجبر الراحل البطل معمر القذافي إيطاليا عليها، بدفع تعويضات عن الحقبة الاستعمارية لليبيا قدرت بخمسة مليارات من الدولارات، على مدى السنوات 25 تعويضا عن الفترة الاستعمارية تشمل تنفيذ الطريق الساحلي الممتد من غرب ليبيا إلى شرقها، ومشاريع إعمارية أخرى مع إعراب الحكومة الإيطالية عن أسفها للآلام التي سببها الاستعمار الإيطالي للشعب الليبي.
وحينها أعلن رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق برلوسكوني خلال زيارة ليبيا، أن بلاده ستدفع أن هذا الأمر هو اعتراف أخلاقي بالأضرار التي لحقت بليبيا على من قبل ايطاليا خلال فترة الحكم الاستعماري.
وكان القائد الشهيد معمر القذافي، كان حريصا على حقوق الليبيين، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وأجبر إيطاليا على الاعتذار، ودفع تعويضات جاءت على هيئة اتفاق يتضمن استثمار 200 مليون دولار سنويا على مدى 25 سنة من خلال تنفيذ مشروعات استثمارية في ليبيا.