في مناخ الامتحانات.. امتحانات الأمس و امتحانات اليوم
منذ منتصف الشهر الماضي و معظم الأسر الليبية تنشغل بامتحانات الشهادات العامة الاعدادية و الثانوية و هي امتحانات تأتي – منذ أن نُكبت ليبيا بسفهاء تولّوا مقاليدها – في توقيت يحرم الناس من العطلة الصيفية التي ينتظرونها ليرتاحوا و أبناءهم من صخب و إرهاق العام المدرسي..
امتحانات هذا العام اختلفت عن سابقاتها من حيث أنها جاءت إختباراً آخر مختلفاً لرداءة نظام التعليم و القائمين عليه . نظام التعليم في ليبيا يقوم على التلقين و ليس فيه لتنمية المهارات و الإبداع مكان و نظام الامتحانات يقوم على الشك في الطالب و في المعلم و قد كانت و مازالت الامتحانات طريقة و إدارة تتقيد بهذه القاعدة ؛ غير أن هذا العام تميز بزيادة الإصرار عليها و الشطط فيها حد أن جاءت بعض اسئلة الامتحانات من خارج المقررات المدرسية و جاء بعضها بمستوى يفوق أداء المعلمين فكانت الامتحانات اختبارا للمعلمين و لمن يقود التعليم ..
في مناخ الامتحانات هذا تستدعي الذاكرة امتحانات الشهادات العامة في زماننا و التي كانت تنتهي بحلول الصيف تقريباً فلا تتجاوز منتصف الشهر السادس بأي حال و كانت مدة الامتحانات لا تتجاوز الأسبوع و نصف الأسبوع ..
و يزيد من إنعاش الذاكرة أنه في مادة الرياضيات يوم الأمس ورد سؤال يُقال أنه كان ضمن اسئلة الشهادة الثانوية عام 1975 أي العام الدراسي 75/74.
و دفعة ذلك العام التي سبقتنا في مدرسة عقبة بن نافع الثانوية في سرت كانت لها حكاية:
كانت الامتحانات تُعقد في اجدابيا منذ أن آلت مركزا لمحافظة الخليج عقب إعلان الجمهورية و ضُمت سرت هامشاً عليها بعد أن كانت هامشاً على محافظة مصراته و كان مدير المدرسة الثانوية الأستاذ محمد محمد البرق بارك الله في عمره و متعه بالصحة و العافية. كان و ظل نموذجا للمعلم المربي و المدير الناجح..
معظم طلاب تلك الدفعة كانوا من النجباء و قد رأى الأستاذ محمد أنه يجب ان ينافسوا ليس على النجاح بتقديرات عالية فحسب بل على التراتيب الأولى ..
ما أن بدأ التهيء للامتحانات حتى شكل الاستاذ محمد بعثة للدعم النفسي و المادي ترافق الطلاب إلى اجدابيا و تقيم معهم إلى أن ينهوا امتحاناتهم ..
و قد ضمت البعثة كل معلمي الفصل الثالث الثانوي يشرف عليهم الاستاذ المرحوم عبدالسلام الكرامي و بعض الإداريين بينهم المرحوم حمد بورقيبة طباخ ، و جرى كل هذا بدعم و مساندة المرحوم الاستاذ قريرة مرعي مراقب التعليم في حينها ..
في اجدابيا اقام الطلبة و مرافقوهم في بيوت مشروع سكني انتهى لتوه حينها و لم تستلمه المحافظة تنفذه شركة الخليج للإنشاءات التي كان المهندس إسماعيل كبلان أصيل سرت يرأسها أو في لجنة إدارتها و قد ساعد في ذلك..
لم يكن شاغل الطلبة غير الإجتهاد في المذاكرة. ما أن يعودوا من الامتحانات حتى يجدوا اسباب الراحة قد تهيات لهم. وجبات الطعام في مواعيدها و الدروس التنشيطية لكل مادة و دعم معلميهم في أي وقت ..
انتهت الامتحانات و ما أن أُعلنت نتائجها حتى جاء أثنان من طلبة عقبة في أوائلها : المرحومان إبراهيم علي إبراهيم ، و الغناي محمد بودربالة و بقية الدفعة كانت في مستوى تطلع ليبيا و منهم خميس دخيل بدري Kames Badary و محمد الصادق الطرابلسي ..
إن الفضل في ذلك يعود لمن ذكرت هنا و غيرهم ممن كانوا يقومون على التعليم و الذين كانوا يرون في الامتحانات اختباراً لهم قبل طلبتهم .. هل هذه الرؤية قائمة اليوم ، أو أن هناك من يفكر فيها ؟
نظام التعليم في ليبيا خارج المعايير كلها. نظام يقوم على الشك و على التحايل ، و على سوء الإدارة و سوء النوايا أيضاً و نظام كهذا هو ما ساق و يسوق ليبيا إلى حتفها و يبعد مؤسساتها التعليمية عن أن تكون كذلك ..