خطرها على “نستالوجيا” الدعوة الى “عودة الملكية” ..
على “مصطلح النوستالجيا” الذي يستخدم لوصف ظاهرة الحنين إلى الماضي .. والذي يعود ظهوره إلى اللغة البونانية القديمة ( νόστος «الشوق» y ἄλγος «ألم») إذ تشير إلى الألم الذي يعانيه “المريض” إثر “حنينه للعودة” لبيته وخوفه من عدم تمكنه من ذلك للأبد ..
على “النستالوجيا” كحالة مرضية أو التعامل معها كشكل من أشكال الاكتئاب في بدايات الحقبة الحديثة .. ثم أصبحت بعد ذلك موضوعا ذا أهمية بالغة في فترة الرومانتيكية وكنوع من الهروب من الواقع الى ماض مؤسطر .. كحب شديد للعصور الماضية بشخصياتها وأحداثها .. ودون ان يكون واقعها التاريخي كذلك ..
-على المدخل “التبرير الدستوري” للعودة الى تلك المرحلة .. من خلال طرح حل للمأزق الدستوري الذي تعيشه الأزمة السياسية الليبية .. وبالتجاهل التام “لمسودة دستور” صادرة عن هيئة منتخبة لايمكن تجاوز ماوصلت اليه او القفز عليه استفتاءا او تعديلا .. بالدعوة الى اعتماد دستور 1951 الذي لا اعرف ما اذا كان المنادين بالعودة اليه قد قراوا او اطلعوا على نصوص مواده .. او انهم يعون انها تخالف الكثير من ما اعلنوا انهم مقتنعون به منذ 2011 من قيم الدول العصرية والجمهورية والديمقراطية وليس العودة الى قيم الإمارة والدول العائلية والملكيات “الوراثية” .. سبب تأخر مطالبتهم بالعودة اليه والقناعة بعدم ملاءمته لمناخ التغيير ..
-على الأسئلة التى تستدعيها هذه الدعوة مثل :
1- هل يعني ذلك “حسب فهمهم ” ان المجتمع الليبي لم يتطور منذ ذلك الحين – فالدساتير هي ابنة ظروفها وزمنها وعصرها والتعديلات عليها هي طريقة للتعاطي مع ما يطرأ وما يستجد من تطور وتقدم – وأن علاقات المجتمع الليبي “الاقطاعية والعشائرية وتراتبياتها ” مازالت قائمة وفعالة او موجودة ومؤثرة .. والتى يمكن ان تتناقض مع النزعة “الثورجية ” لدي من ينادون بذلك اليوم .. الا اذا كانوا في لحظة “فشل وحيرة ويأس” يودون التعامل معها بالقفز عن معالجة ما انتجته من مظاهر بلي عنق “منطق التاريخ” الذي يتقدم ولايعود الى الوراء ..
2- هل يملك المنادون بالعودة الى النسخة “البكر ” لدستور 1951 تفسير سياسي وتاريخي وموضوعي لسؤال : لماذا كانت هناك حاجة ملحة لتعديله عام 1963 .. بموافقة الملك والطبقة السياسية وبتأييد نفس القوى الدولية التى ساهمت في ايجاده وتعيين وتحديد سلطاته .. ؟ نسخته “المعدلة جينيا ” التى صدرت في “نفس الحقبة الملكية”.. لتحول النظام من “فيدرالي” الى نظام “مركزي” بسبب البدء في انتاج النفط والتى تلبي رغبة الولايات المتحدة في جعل مناطق الانتاج والتصدير تحت اشراف سلطة دولة موحدة واحدة بعد “متاهة” التنازع بين حكومات الاقاليم ومجالسها التشريعية والسلطة المركزية ..
3- هل يستطيع المنادين بعودة “ولي العهد ” ان يحددوا لنا شخصه او من يكون .. فليس هناك اليوم وريث للملك كحاكم او “ولي عهد” لهذه الملكية كصيغة سياسية .. لأن من “ينتحل ” صفة ولي العهد اليوم .. يتناقض مسماه مع توصيف المواد الواردة في نصوص هدا الدستور “لنائب الملك” وليس “ولي العهد ” ..
فهدا المنصب وفقا لنص مواد دستور عام 1951 تحتاج تسميته الى :
(( عرض مقترح “للنائب” من الملك والى موافقة البرلمان .. )) ..
وهو مالم يحدث ..
لذلك فالأمير الحالي هو “وريث لإسم العائلة” وليس “ولي عهد” المملكة الليبية المتحدة وفقا لدستورها ..
ولعل الاطلاع على بعض المواد المنصوص عليها في هدا الدستور سيبين مدى الاشكاليات والخلافات التى ستنتجها العودة اليه او تبنيه اليوم – حتى لمن يتبنون الدعوة الى العودة اليه – ومن خلال اشكاليات نصوص ومضامين المواد المنصوص عليها في دستور 1951 ..
وهو ما يمكن ان يدلنا على مدى اطلاع او المام او معرفة من ينادي بالعودة الي العمل بدستور 1951 بتفاصيل الصراع السياسي الحالي وبالظروف التاريخية والسياسية التى تجاوزت ماورد فيه .. وبالاشكاليات السياسية والقانونية التى ستطرحها هذه الدعوة ..
خاصة بالنظر الى المواد التالية :
مادة (2)
ليبيا دولة “ملكية وراثية” شكلها اتحادي ونظامها نيابي وتسمى “المملكة الليبية المتحدة”..
(( فهي ليست “ملكية دستورية ” يملك الملك فيها ولايحكم .. بل “ملكية وراثية” يملك الملك فيها ويحكم .. )) ..
مادة (10)
لا يجوز “الجمع ” بين الجنسية الليبية وأية جنسية أخرى ..
(( وهو ماينفي احقية الامير صاحب الجنسية الاسبانية والانجليزية بولاية العهد لعرش ليبيا )) ..
مادة (21)
“حرية الاعتقاد ” مطلقة وتحترم الدولة جميع الأديان والمذاهب وتكفل لليبيين وللأجانب المقيمين في أرضها حرية العقيدة والقيام بشعائر الأديان على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب ..
(( وهو ما يتناقض مع “مهمة المفتي ” المتغولة المستجدة المكتسبة بعد احداث فبراير في “التكفير والأسلمة” في ليبيا الجديدة وبعد اربعة عشر قرنا من دخول الاسلام اليها .. )) ..
مادة (41)
السلطة التشريعية “يتولاها الملك” بالاشتراك مع مجلس الأمة .. ويصدر الملك القوانين بعد أن يقرها مجلس الأمة على الوجه المبين في هذا الدستور ..
مادة (42)
السلطة التنفيذية “يتولاها الملك ” في حدود هذا الدستور ..
(( فموارد في المادتين يتنافى مع مبدأ فصل السلطات الذي يعد احد اهم اركان الدولة الحديثة .. )) ..
الفصل الخامس
الملك
مادة (44)
سيادة المملكة الليبية المتحدة للأمة وهي بإرادة الله “وديعة الشعب ” للمليك محمد إدريس المهدي السنوسي ثم ” لأولاده الذكور من بعده الأكبر فالأكبر طبقة بعد طبقة” ..
(( وليس للملك وريث من الاولاد الذين يمكن ان تنطبق عليهم هذه المادة ..)) ..
مادة (45)
عرش المملكة وراثي وتنظم وراثة العرش بأمر كريم يصدره الملك إدريس الأول في بحر سنة من تاريخ إصدار هذا الدستور, ولا يعتلي أحد العرش إلا إذا كان سليم العقل ليبيا مسلما وولدا لوالدين مسلمين من زواج شرعي ويعتبر الأمر الملكي الذي ينظم “وراثة العرش” ذا صبغة دستورية.
(( وليس هناك أمر ملكي بتسمية منتحل صفة ولي العهد اليوم ..)) ..
مادة (46)
في حالة وفاة الملك وخلو العرش لعدم وجود من يخلف الملك أو لعدم تعيين خلف له يجتمع مجلسا الشيوخ والنواب في جلسة مشتركة فورا وبدون دعوة لتعيين خلف له في مدة لا تتجاوز عشرة أيام بحضور ثلاثة أرباع أعضاء كل من المجلسين على الأقل, ويجرى التصويت علنا بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين فإذا لم يتسن الاختيار في الميعاد المتقدم ففي اليوم الحادي عشر يشرع المجلسان مجتمعين في الاختيار بحضور الأكثرية المطلقة لأعضاء كل من المجلسين وبالأغلبية النسبية وأن كان مجلس النواب منحلا فيجتمع المجلس القديم فورا حتى يتم تعيين الملك.
(( وليس هناك آلية لحدوث ذلك .. لأن المجلسين في ذمة الله والتاريخ ..)) ..
مادة (48)
يجوز للملك إذا أراد التغيب عن ليبيا أو حدث ما يعوقه أو يمنعه مؤقتا من ممارسة سلطاته الدستورية أن يعين نائبا عنه أو أكثر للقيام بالواجبات وممارسة الحقوق والسلطات التي يرى الملك تفويضها إلى من ينوب عنه.
(( وهو ما لم يحدث الى يومنا هذا ..)) ..
مادة (50)
إذا كان الملك قاصرا أو إذا حدث ما يعوقه أو يمنعه من ممارسة سلطاته الدستورية ولم يتمكن نفسه من تعيين نائب أو أكثر فعلى مجلس الوزراء بموافقة مجلس الأمة أن يعين وصيا أو مجلس وصاية للقيام بواجبات الملك وممارسة حقوقه وسلطاته إلى أن يبلغ سن الرشد أو إلى أن يصبح قادرا على ممارسة سلطاته. وإذا كان مجلس الأمة غير منعقد وجبت دعوته للاجتماع أما إذا كان مجلس النواب منحلا فيجتمع المجلس القديم فورا حتى يتم تعيين الوصي أو مجلس الوصاية.
(( وهو ما لم يحدث الى يومنا هذا ..)) ..
مادة (58)
الملك هو الرئيس الأعلى للدولة ..
مادة (59)
الملك مصون وغير مسؤول ..
مادة (63)
الملك يضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها.
مادة (72)
الملك يعين رئيس الوزراء وله أن يقيله أو يقبل استقالته من منصبه ويعين الوزراء ويقيلهم أو يقبل استقالتهم بناء على ما يعرضه عليه رئيس الوزراء.
(( وهي “المواد الاربعة ” التى حولته من ملك ضامن لهيبة الدولة ووحدتها “يملك ولايحكم كما في الملكيات الدستورية ” الى مالك للبلاد ولرقاب العباد كما في “الملكيات الوراثية ” والى ديكتاتور لايمكن محاسبته او مساءلته لأنه فوق كل دستور وقانون .. )) ..
وواقعيا :
خلق نظام حكم تابع وغير مستقل .. وتتصارع نخبه الاقطاعية على ادارة الفساد فيه ..
ولذلك وجبت الثورة عليه وتغييره حين لم يعد يستطيع مواكبة تطور وعي نخب المجتمع ورؤاها وطموحاتها السياسية ..
ولم يمنع النص المكتوب ذلك ..
فالدساتير تكتسب قوتها من مدى قناعة ابناء المجتمع بها واحترامهم لها كتعبير عن ارادتهم في الزمن التاريخي الذي يعيشونه .. ومدى فعاليتها وقدرتها على ضبط تنظيم وتحقيق التعايش السلمي بين الارادات المختلفة والمتناقضة .. وباسلوب القبول بتراض وتوافق بقواعد التسيير وآليات السلطة والمؤسسات التى يتم صياغتها في نص الدستور ..
والله المستعان ..