كارثة الأدوية في ليبيا: ما الذي يشتريه الليبيون؟ الداء أم الدواء؟
حالة الانفلات التي تعانيها ليبيا لا تنحصر في غذاء أو مياه أو انقطاع كهرباء.. فهذه الضروريات الحياتية المنتهكة والتي طالتها أيادي العبث والإهمال ليست بخطورة ما يجري في مجال الأدوية، الذي يفترض أن مجال محمي بالنصوص والضمائر والتخصصات.. فإذا بالنصوص معلقة والضمائر خامدة والأخصائيون يعملون بشعار “حاميها حراميها” إلا ما رحم ربي!!
بسبب كثافة الاحتياجات وقلة الإنتاج وكثرة المستوردين تتدفق على ليبيا عشرات الأطنان من الأدوية والعقاقير والمستلزمات الطبية من مختلف أنحاء العالم بعضها يدخل بلا حسيب ولا رقيب.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها جهات عديدة لا نستطيع أن نتجاهلها، وحملات المراقبة التي كثيرا ما تتولى إتلاف أكوام من الأدوية منهية الصلاحية أو غير المطابقة للمواصفات، فإن الوضع الخطير ببلدنا يحتاج وقفة حازمة ليس لإنتاج قوانين وفرض قيود جديدة، بل المطلوب هو تفعيل القوانين الموجودة.. فما يجري هو اختراق كبير تسببت فيه فوضى التراخيص والتساهل في تنفيذ شروط الاستيراد ومراقبة المواصفات.. وأسباب هذا الأمر غير خافية، لأن تنفيذ القانون يقتضي وجود أجهزة رقابية تردع المنتهكين وترصد المخالفين وقضاء ناجزا للمحاسبة الفورية في بلد منفلت وشاسع تعسر مراقبته والسيطرة على منافذه..
تم في سرت مؤخرا إتلاف أكثر من 2 طن من الأدوية حسب مصادر ذات مصداقية عالية.. فماذا عن باقي المدن؟ ماذا عن الجنوب؟ وبرقه وطرابلس؟ وماذا عن الهبات والمعونات والقوافل الصحية التي لا ندري ما الذي نوزعه؟ وما الذي تجربه؟ وما الذي تحقنه لأبنائنا وبناتنا من عقاقير وأمصال؟ المشكلة أن من يدفع فاتورة هذه الانتهاكات ليست الدولة أو الأفراد بل المجتمع والأسر الليبية التي تتعرض إلى الأمراض والمعاناة والاستنزاف المادي.. ان الفظائع الصحية جرائم مثبتة لكن فرص محاسبة مرتكبيها ضئيلة بسبب النفوذ والتغول على الدولة والتعطيل المتعمد للنصوص في كافة المجالات التي ينشط فيها المتجاوزون وعصابات النهب المتعمد لأموال الأفراد والعوائل والمجتمعات. وللأسف لن تكون مسألة المحاسبة في المتناول على المدى القريب أو المتوسط، لكن التصدي والمراقبة في المنافذ والمخازن والصيدليات ممكن ومن شانه أن يخفف من آثار هذه الجريمة النكراء، في انتظار استعادة الدولة لقدرتها وتعافي منظوماتها الرقابية.. والله المستعان. وللحديث بقية.