معمر القذافي في هولندا … ” القذافي في اوفرفيخت”
تحت هذا العنوان كتبت صحيفة الكترونية هولندية مقالا عن معمر القذافي الحاضر بفاعلية في اوفرفخت الهولندية.
وبعيدا عن ما كتبت الصحيفة الهولندية المرفق صورة من عنوان ومقدمة المقال باللغة الهولندية سأسرد لكم الحكاية كما عرفتها:
في صيف العام 1982 اوشكت فتنة كبرى ان تحدث بين جاليتين مسلمتين في مدينة اوتريخت بالمملكة الهولندية، لم تكن لتهدأ لولا ان تدخل معمر القذافي ولانقلبت الامور الى مالا يحمد عقباها.
الوقائع التي أحكيها هنا حدثت حقيقة وأنا شاهد على بعض مافيها، خلال الفترة التي قضيتها في هولندا لغرض الدراسات العليا، وأنقل هنا شهادات استمعت اليها شخصيا ممن عايشها وشارك فيها…
هولندا دولة تقع في اقصى الغرب الاوروبي، ويبلغ عدد سكانها حوالى 18 مليون نسمة، معظم سكانها هولنديون ويقاسمهم اياها مهاجرون من دول اخرى منهم الاتراك والمغاربةحوالى 3 مليون نسمة.
ومن هنا نبدأ سرد الوقائع:
في مدينة “اوتريخت” رابع اكبر المدن الهولندية بعد امستردام ولاهاي وروتردام وتسمى مدينة النبلاء، يقيم الاتراك والمغاربة بنسبة عالية جدا.
في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي حدث خصام واشكال بين المسلمين المغاربة والاتراك حول مسجد يؤدون فيه شعائرهم وتعليم اولادهم العلوم الاسلامية، وقد تطور الخصام حد الاقتراب من وقوع فتنة، تم حسم الأمر بأن يترك المسلمون المغاربة هذا المسجد لصالح الاتراك وان يبحثوا لهم عن بديل آخر.
لم يكن المغاربة ( الجيل الأول) الذين جاءوا الى هولندا مطلع الستينات في صفقة بين ملكة هولندا وملك المغرب ان يزوّدها بعشرات الالاف من المغاربة لكي يساعدوا في بناء هولندا من شق الطرق وفتح القنوات وبناء المساكن وغيرها من اعمال البنية التحتية مقابل ان ينالوا الجنسية الهولندية وضمان حياة قارة لهم وفرص عمل دائمة، لم يكونوا على قدر من الثراء لكي يشتروا ارضا او يبنوا مسجدا لهم.
اقترح بعضهم ان يكتبوا رسائل طلب العون والمساعدة من الدول العربية والاسلامية لتساعدهم في حل مشكلة عدم وجود مسجد خاص بهم في اوتريخت.
ذهبت الوفود المغربية الى سفارات الدول المتواجدة في هولندا وسلموهم رسائل تلتمس العون والمساعدة، وانتظروا ولم يأتهم جواب.
اقترح احدهم ان يذهبوا برسالة مماثلة الى المكتب الشعبي (السفارة الليبية) في بروكسل/ بلجيكا لأن ليبيا لم يكن لها سفارة في هولندا، وهكذا كان.
تم احالة رسالة الوفد المغربي الهولندي الى الخارجية الليبية ومنها الى جمعية الدعوة الاسلامية العالمية ومنها الى العرض على القايد معمر القذافي مؤسس جمعية الدعوة الاسلامية العالمية.
كان ذلك في اواخر شعبان او بداية رمضان من العام 1982 حيث اطلع القايد معمر القذافي على رسالة طلب الدعم وما حوته من خلفيات تشير الى احتمالية نشوب فتنة بين المسلمين في هولندا مالم تحل هذه المشكلة..
وفي رد فعل حاسم أصدر تعليماته لجمعية الدعوة بتشكيل لجنة وارسالها على الفور الى هولندا وتكليفها بالاجتماع بالجالية المغربية في اوتريخت والبحث معهم عن افضل طريقة لحل هذه المشكلة.
على جناح السرعة تم تشكيل اللجنة وايفادها الى هولندا حيث التقت بالمغاربة هناك ووقفت على حقيقة المشكلة وبحثت معهم انسب العروض لحل مشكلة المسجد المنشود.
كانت العروض ان يتم شراء قطعة ارض ثم يشاد او يبنى مسجد عليها، او ان يتم شراء عقار مناسب يمكن ان يكون مسجدا بعد تحويره..
أثناء وجود اللجنة في هولندا تم عرض فكرة شراء مبنى لكنيسة اسمها ابرشية عمواس في حي اوفرفيخت في مقاطعة اوتريخت معروض للبيع بمبلغ 2 ونصف مليون خلدة او جلدر او ما يساوي مليون وربع المليون دولار..( مرفق صورة الكنيسة).
أنهت اللجنة مهمتها وعادت بتقريرها الى ادارة جمعية الدعوة الاسلامية التي احالته الى القائد معمر القذافي الذي استحسن فكرة شراء الكنيسة وتحويلها الى مسجد لاسباب تتعلق بالمساحة المناسبة حيث تقع هذه الكنيسة والارض التابعة لها على مساحة تقترب من نصف هكتار، كما ان اعمال تحويرها وتجهيزها وتهيئتها لتكون مسجدا لن تستغرق وقتا طويلا ولا تكلفة أكبر كما ستستغرق وتكلف اعمال البناء لمسجد جديد.
وفعلا صدرت التعليمات من القائد لجمعية الدعوة الاسلامية بشراء الكنيسة واتمام اجراءاتها الرسمية والقانونية وتجهيزها وتهيئتها لتكون مسجدا مناسبا للمسلمين هناك، وذيلت التعليمات بأن يتم التنفيذ على اقصى وجه السرعة بحيث يتمكن المسلمون في اوتريخت من صلاة ليلة القدر فيه او بحد اقصى صلاة عيد الفطر.
وهكذا كان تم انجاز عملية الشراء وتم تسجيل العقار كمركز ثقافي اسلامي باسم جمعية الدعوة الاسلامية العالمية وتم تحويره وتجهيزه ليكون مسجدا وقد ادى فيه المسلمون صلاة العيد كما تمنى العقيد.
بعدها ببضع سنين سُمّي المسجد رسميا بمركز عمر الفاروق الثقافي الاسلامي التابع لجمعية الدعوة الاسلامية العالمية وتم تكليف لجنة ادارية ليبية بتسيير أعمال المركز وافتتاحه رسميا، لكن المسلمين المغاربة هناك ظلوا يسمونه مسجد معمر القذافي عرفانا منهم وامتنانا له على هذه الهدية المنحة التي فرجت عنهم كربا عظيما وجنبتهم فتنة مع غيرهم من المسلمين الاتراك.
استمرت جمعية الدعوة الاسلامية في الاهتمام بهذا المركز الذي تحول الى منارة اشعاع اسلامية يتم فيها اقامة مناشط وفاعليات مختلفة من تعليم للغة العربية وتحفيظ للقرءان الكريم للصغار والكبار من الذكور والاناث ودروس محو الأمية واهتمام بقضايا الشباب المسلم ومركز للدعوة والهداية للراغبين في الدخول للاسلام فضلا عن اقامة الشرائع الاسلامية المختلفة من صلاة وغيرها…
وفي شهر رمضان من كل عام كان يكتظ المركز برواده المسلمين بالالاف وكانت جمعية الدعوة توفد المشائخ والمقرئين الليبيين ليؤموا المسلمين هناك في صلاة التراويح، ولقد تشرفت خلال فترة دراستي العليا هناك بالصلاة في اشهر رمضان خلف الشيخ احمد طبطابة رحمه الله والذي كان محط اعجاب وتقدير ومحبة من كل المسلمين هناك والذين كانوا يطالبون الجمعية ان ترسله اليهم في كل شهر رمضان للصلاة بهم، كما كانت الجمعية على تنسيق دائم مع الازهر الشريف لتزويد المركز بالدعاة المصريين لتقديم دروس الوعظ والارشاد والتثقيف للمسلمين في هولندا.
في السنوات اللاحقة لانشاء المركز ومع ازدياد عدد المسلمين وحاجة الجالية الى توسعة المسجد واضافة مرافق اخرى له كفصول دراسية لتعليم اولادهم اللغة العربية والقرآن الكريم، وخدمات أخرى يحتاجها المسلمين هناك كتغسيل موتاهم وتكفينهم وتوفير ما يحتاجونه من ضرورات الحياة الخاصة بالمسلمين.
ولقد تكفلت جمعية الدعوة الاسلامية بهذه المهمة حيث تم انشاء قاعات وفصول جديدة ملحقة بالمسجد ليصبح المسجد قادرا على استيعاب المزيد من المصلين والمتعلمين.
لقد كان المركز الذي يرتفع فيه الاذان كل يوم 5 مرات خلية نحل نشطة تملؤها روح الايمان والدعوة الى الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تكاد تمر صلاة جمعة الا وقد اعلن المزيد من المقتنعين برسالة الاسلام اسلامهم أمام جموع المسلمين هناك وسط صيحات الحمد والتكبير، ولقد شهدت شخصيا اعلان الكثير من المهتدين الجدد هولنديين وغيرهم اعتناقهم دين الاسلام.
وباهتمام شخصي من القايد معمر القذافي ورعايته كانت معونات ومساعدات الاغاثة تنطلق في قوافل من المركز الاسلامي هولندا الى كثير من دول العالم الاسلامي التي تصاب بكوارث ونكبات.
وامام الطلب المتنامي على خدمات المركز الاسلامي في هولندا، وفي خطوة لازمةكان من الضرورة اجراء توسعة مهمة تتجاوز كل الامكانيات المتاحة تلبي الزيادة الرهيبة للمسلمين هناك وحاجتهم.
ومرة اخرى تكلف جمعية الدعوة الاسلامية بالتعاقد مع مكتب هندسي لتصميم خرائط فنية وهندسية تحقق المطلوب، ورصدت الجمعية للمركز ميزانية مناسبة لتنفيذ تلك الاعمال.
في العام 2011 توقف التمويل وتوقف الدعم الذي كانت توفره جمعية الدعوة الاسلامية، وتوقف مشروع التوسعة الكبرى للمركز ومرافقه، ولم يكن امام المسلمين هناك الا ان يتبرعوا كل حسب استطاعته لاستكمال مشروع التوسعة الضخم.
اليوم صار المسجد يستوعب مالايقل عن 5000 مصل، وبه فصول تستوعب قرابة 400 تلميذ ومتعلم بما فيهم كبار السن، ومازال المركز بادارة مغربية ذاتية يؤدي رسالته التي تأسس عليها كأن معمر القذافي الذي أذن بانشائه مازال حيا بينهم.
في نهاية العام 2012 قمت بزيارة الى هولندا لاغراض اكاديمية وعلاجية انتهزت الفرصة لزيارة المركز الاسلامي الليبي في اوفرفخت حيث التقيت بمديره الحالي الاستاذ عبدالمجيد خيرون وهو مغربي يحمل الجنسية الهولندية وكان مستشارا قانونيا للمركز فيما سبق، حيث تبادلت معه احاديث مطولة عن المركز ومآلاته واعمال التوسعة والتطوير والبرامج والمهام والمساعدات التي يقوم بها، والصعوبات والمشاكل التي تواجه المركز وعلاقاته بالاخرين من مؤسسات ومراكز..
وسألته : هل مازالت جمعية الدعوة الاسلامية تقدم لكم الدعم وتصرف لكم الميزانيات لتصريف وتسيير أعمال المركز والمسجد، أجاب بحسرة لا لقد توقف كل شي منذ ان سقط نظام معمر القذافي رحمه الله، ثم اضاف مرة واحدة فقط زارنا ليبيون من طرف الجمعية يسألوننا عن الارصدة والاموال التي تركها النظام السابق في حسابات المركز، لكنني اجبتهم ان الميزانية كانت تصرف وتنفق كل سنة بسنتها حسب بنود الصرف، ولم يعد لدينا أموال من ليبيا، وكل ما لدينا الان هو تمويل ذاتي وتبرعات من مسلمي المركز، وقال كنت اتوقع انكم جئتم لكي تقدموا لنا دعما اضافيا لاستكمال مشروع التوسعة والتطوير وتسديد تكاليف الاضاءة والتدفئة والمياه ومكافات المعلمين لا ان تأتوا لكي تأخذوا ما لدينا..
وانهى حديثه بأنهم عندما لم يجدوا فينا ضالتهم غادرونا ولم يعد احد منهم لزيارتنا او السؤال عنا أبدا.