نساء ليبيا بين ماضي الميزات وحاضر الخيبات

نساء ليبيا بين ماضي الميزات وحاضر الخيبات

لطالما كانت النساء وحقوقهن على رأس الأولويات في أي شعارات أو اجتماعات محلية أو دولية، حقوق عديدة منحتها القوانين الدولية للمرأة، ومنظمات مختلفة خصصت جهدها لكشف أوضاعهن ومدى مشاركتهن في الحياة العامة السياسية.

وفي هذا الصدد، أظهر أحد المؤشرات أن نسبة النساء العاملات إلى عدد السكان في ليبيا لسنة 2021 يصل إلى 33.7% مرتفعا بذلك عن كافة الدول العربية الأخرى.

وعلى الرغم أنه من البديهي القول إن المجتمع وتحضره وتقدمه يمنح المرأة المزيد من الحقوق ويمنع عنها الانتهاكات التهميش.. ولكن يبدو أن الموازين في ليبيا انقلبت رأسًا على عقب.

إحصائيات رسمية

ولكن قبل الحديث عن ذلك يمكن ذكر بعض الإحصائيات الرسمية التي منحت المرأة فرصة الالتحاق بالعمل أسوة بالرجل خلال عهد النظام الجماهيري، فخلال الفترة من 1986 إلى 1990 التحق بمراكز التدريب المهني 4000 امرأة، والتحق بمراكز تدريب أخرى مختلفة 18600 امرأة، وخلال السنوات الخمس التي تليها التحق بمراكز التدريب المهني 8000 امرأة، والتحق بمراكز التدريب المختلفة الأخرى 27300 امرأة، وفي السنوات الخمس التالية، التحق بمراكز التدريب المهني 10000 امرأة، والتحق بمراكز التدريب المختلفة الأخرى 28300 امرأة، وذلك وفق التقرير الوطني للجماهيرية العظمى حول واقع الأمية وتعليم الكبار والجهود المبذولة حياله والذي أعدته اللجنة الشعبية العامة للتعليم والبحث العلمي.

قوانين وقرارات تدعم المرأة

لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد كان البيان الأول للثورة الذي تم بثه فجر الفاتح من سبتمبر 1969 واضحا من خلال إعلانه الصريح لحرية البلاد وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة دون تمييز، وجاء الإعلان الدستوري في 17 ديسمبر 1969 ليؤكد على “أن كل المواطنين الليبيين متساوون أمام القانون” في حين أكد إعلان قيام سلطة الشعب في 2 مارس 1977 “أن السلطة في ليبيا يمارسها الرجال والنساء من خلال المؤتمرات الشعبية.

دُعم هذا التوجه بسلسلة من القوانين والقرارات التي منحت المرأة حقوقًا كفلتها لها الدولة، حيث حرّر النظام الجماهيري وضع المرأة القانوني على وجه التحديد، وجعل العمر الأدنى للزواج 20 سنة، وحظّر الزواج بالوكالة أو بالإكراه، ومُنحت المرأة حقّ الطلاق تماماً مثل الرجل، وتمّ إلغاء تعدّد الزوجات بفعالية: يجوز للرجل أن يتزوج بثانية فقط لأسباب محدّدة شرط موافقة الزوجة الأولى.

كما أصدر النظام الجماهيري أمر قانوني بالمساواة في الرواتب بين الجنسين، وجعل المرأة ملزمة بتأدية الخدمة العسكرية لمدّة سنة عند بلوغ سنّ 18 من عمرها، كما منحها حق السفر لأي دولة دون الحاجة لموافقة، وفُتح الباب للمرأة رسمياً بممارسة مهن الرجل التقليدية، مثل الجيش والطيران والهندسة، ومنجها الحق للسفر دون الحاجة للحصول على موافقة أو رفقة أحد.

وأكّد القانون رقم 12 لسنة 2010م المتعلق بالعمل على أن حق العمل واجب لكل المواطنين ذكوراً وإناثاً (المواد 2، 24، 25)، كما أكد على ضرورة تشغيل النساء في الأعمال المناسبة لطبيعتهن وعدم جواز التمييز ضد المرأة، بل قرر تمييزاً إيجابياً لصالحهن بخصوص مدة إجازة الولادة مدفوعة الأجر بالكامل والتي حددت بثلاثة أشهر. فضلاً عن ذلك، أعلن القانون مبدأ مساواة المرأة والرجل في الأجر.

اتفاقية دولية

على خلفية ذلك، كانت ليبيا البلد العربي الأوّل الذي وقّع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1989، حيث مثلت هذه الاتفاقية (سيداو) انعكاس مباشر على تولي المرأة المناصب القضائية،  فلم  تعد هذه المناصب حكرا على الرجال كما كان الأمر عليه في السابق، وتأكيداً على هذا المسار،  ومن باب تعزيزه وتحصينه، وتم إصدار القانون الأساسي رقم 20 لعام 1991 الذي يعد بمثابة وثيقة دستورية في ذلك الوقت بغياب دستور في البلاد.

شهادات دولية

هذه الترسانة من القوانين والقرارات الداعمة للمرأة وحقوقها وعملها والمساوية لها بالرجل، كشف عن نتائجها تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2005 الذي أكد أنّ ليبيا حقّقت المساواة بين الجنسين في التعليم العالي؛ التحاق المرأة العربية في التعليم العالي، كما أشار إلى حظر المهن التي لا تناسب النظرة الليبية التقليدية تجاه المرأة.

وفي فبراير 2015 نشر موقع “جلوبال ريسيرش” تقريرا حول ليبيا في عهد القائد الشهيد معمر القذافي، أكد فيه أن المرأة في عهد النظام الجماهيري حصلت على حقوقها على عكس العديد من الدول، فلديها حق التعليم والتوظيف والطلاق، وعقد الملكية، كما أشاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بحقوق المرأة الليبية.

المرأة بعد 2011

في المقابل فإن المرأة بعد 2011 تتعرض للعديد من الانتهاكات والتهديدات، وطالتها الاغتيالات أيضا، حيث أنه لم يمر عام واحد منذ اندلاع أحداث فبراير إلا وسجلت عدة حالات خطف وإخفاء قسري لنساء، حيث أشارت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا في تقرير لها إلى أن النساء في ليبيا يدفعن الثمن الأفدح، بسبب تزايد وتيرة العنف ضدهن، معبرة عن قلقها من مختلف أنواع وأنماط العنف الذي يمارس ضد النساء في ليبيا.

قرارات ضد المرأة

من جانب آخر أعلن عبد الرزاق الناظوري، الحاكم العسكري للمنطقة الممتدة من درنة إلى بن جواد، في 2017 أنه على جميع النساء بين 18-45 عاماً عدم السفر بدون محرم، كما قضت المحكمة العليا الليبية الدائرة الدستورية في عام 2013 م بعدم دستورية المادة 13 من القانون رقم 10 لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق وأثارهما، وهى المادة المنظم لحق الرجل في الزواج الثاني، وأصدر مجلس النواب في اكتوبر 2015 قانون رقم 14 لسنة 2015 قرارا يتضمن ألغاء المادة (13) من القانون رقم 10 لسنة 1984 المقيدة للتعدد ضمن شروط منصوص عليها سابقا ً، بالإضافة لتعديل المادة 14 من القانون رقم 10 لسنة 1984 وألغى شهادة المرأة على عقد الزواج بعد أن كان القانون بشأن الزواج والطلاق وأثارهما ينص على صحة الزواج المشهود عليه من رجل وامرأتين.

كما استمرت معاناة أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب، خاصة المقيمين منهم في ليبيا، من انعدام الحقوق التي من المفترض أن يتحصلوا عليها كونهم ولدوا في ليبيا، ورغم صدور القوانين التي تُقِرُّ بحصولهم على حقوق المواطنة، إلا أن هذه القوانين لم تُفعَّل حتى الآن.

هذا هو واقع المرأة في ليبيا قبل 2011 وبعدها.. ماضٍ مفرح يدعو للفخر والعزة، وحاضر محزن يدعو للقلق والحيرة ومستقبل تشوبه المخاطر رغم الشعارات والكلمات والوعود الرنانة التي تتعالى الأصوات بها كل يوم.

Exit mobile version