“نيو يوروب”: هكذا وظّف “القذافي” النفط لمصلحة ليبيا..وهكذا استخدمته فبراير وحفتر
تحت عنوان “من يملك حقا النفط الليبي” نشر موقع “نيو يوروب – أوروبا الجديدة” مقالا لمدير المؤسسة الدولية لحوكمة أفضل جيمس ويلسون، سلّط خلاله الضوء على قضية ثروة ليبيا النفطية، وكيف وظفها القائد الشهيد معمر القذافي، داخليا في التنمية وتحقيق الرفاهية، وخارجيا في تقوية نفوذ ليبيا إقليميا ودوليا، وما آلت إليه الأمور بعد فبراير 2011، من استغلال النفط للتربح الشخصي وشراء السلاح وعقد الصفقات السياسية وكورقة ضغط لمصالح خاصة من قبل خليفة حفتر وغيره.
• النفط للتنمية والسيادة
واستهل الكاتب التقرير بالإشارة، إلى أنه “في الماضي، قبل فبراير 2011، سمح تصدير المنتجات البترولية على المدى الطويل لليبيين بالحفاظ على مستوى معيشي مرتفع لعدة عقود ، متجاوزًا معظم البلدان الأفريقية في التنمية الاقتصادية، لافتًا إلى أن ليبيا تمتلك أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، والتاسع عالميا.
وقال التقرير، إن الاحتياطيات النفطية الهائلة لـ ليبيا سمحت بتنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية وفتحت الأبواب لمرحلة السياسة الدولية مما أعطى السلطات الليبية، آنذاك، القدرة على التأثير على قرارات الدول الأخرى، لكن الوضع تغير تماما الآن، مبرزا التأثير المباشر للتقلبات في المشهد السياسي الليبي على إنتاج النفط وعائداته.
وأضاف التقرير، أن القائد الشهيد معمر القذافي استغل ثروة البلاد النفطية للضغط على أوروبا من أجل تحقيق مصالح البلاد، معتبرا أن النفط كان أحد الأسباب الرئيسية لإسقاط الدولة الليبية عام 2011، مردفا: “لم تنجح محاولات إقامة نظام موحد جديد للسلطة في ليبيا، ما أدى إلى أزمة مطولة وعميقة عطلت سلسلة توريد النفط”
• النفط أساس الصراع
وأكمل تقرير “نيو يوروب”: “خلال الحرب الأهلية، أصبح النفط أكثر أهمية كمورد ثمين باهظ الثمن”، ورأى أن المواجهة بين حكومة الوحدة ومجلس النواب تنبع إلى حد كبير من الخلافات حول إنتاج النفط وتقاسم الإيرادات.
وأكد التقرير، أن السيطرة على حقول النفط توفر دخلاً ثابتًا يمكن استخدامه بسهولة لشراء الأسلحة والقيام بالعمليات العسكرية، وهو ما يمنح الطرف الذي يتحكم في تدفق النفط بميزة كبيرة على خصومهم، منوها، في هذا الإطار، إلى خليفة حفتر.
وذكر التقرير، أن حفتر يتصرف رسميًا نيابة عن مجلس النواب ويسيطر على المنطقة الشرقية لليبيا، منصبا نفسه على أنه الرئيس الوحيد لهذه المنطقة في البلاد.
وقال التقرير، إن قوات الكرامة سيطرت على محطات النفط في رأس لانوف والسدرة لمدة 7 سنوات، قبل تصاعد الأزمة السياسية، وجرى تداول النفط عبر وسيط، يمثله مكتب مؤسسة النفط في طرابلس، وبالتالي تقاسم حصيلة المبيعات.
وتابع: “تشير التقديرات إلى أن قوات حفتر ساعدت في الحفاظ على الإنتاج الرسمي عند مستوى مليون برميل على الأقل يوميًا، لكن هذه الاتفاقات بشأن تقاسم عائدات النفط تعطلت بسبب هجوم حفتر الفاشل على طرابلس في أبريل عام 2019، وسمح الهجوم له بالسيطرة الكاملة على تدفقات النفط في ليبيا.
وزاد: “برّر حفتر مزاعمه بأن مؤسسة النفط الموجودة في طرابلس لم تأخذ في الحسبان احتياجات مواطني شرق ليبيا عند توزيع الإيرادات، وبقيت كل الأموال في طرابلس، ووجه مؤيدو حفتر اتهامات مماثلة بانتظام”
• استغلال حفتر
وأكد التقرير أن “السيطرة على صناعة النفط في ليبيا أتاحت لحفتر فرصة التلاعب والابتزاز في الساحة السياسية المحلية والدولية في محاولة لتقوية موقفه وتقنينه، وقع حفتر وثيقة تسمح له باحتكار قطاع النفط في البلاد لمدة 10 سنوات وإنشاء شركة موازية تتجاهل مؤسسة النفط بطرابلس، على الرغم من أن هذا الترتيب غير قانوني تمامًا ، إلا أن حفتر أصر بعناد على اتباعه”، بحسب التقرير.
وأبرز التقرير مواقع حقول النفط الرئيسة قائلا: “هناك 5 محطات نفطية رئيسة في ليبيا: البريقة ورأس لانوف وحريقة والزويتينة والسدرة، تقع جميعها في ما يسمى بـ “الهلال النفطي” وهي منطقة تمتد من مدينة أجدابيا إلى الأطراف الشرقية لمدينة سرت.
وواصل: “مع نمو الدخل والفرص، أصبحت طموحات حفتر السياسية أقوى، ومارس ضغوطًا على سوق النفط الدولية في محاولة للتأثير على القرارات السياسية الدولية المتعلقة بليبيا. ومن الأمثلة على ذلك توقف محطات النفط الرئيسية، التي كانت تحت سيطرة قوات الكرامة، عن العمل في 18 يناير 2020 ، قبل انعقاد مؤتمر برلين بشأن ليبيا، ونتيجة لذلك أصيبت البنية التحتية النفطية بالكامل، من استخراج المواد الخام إلى المبيعات، بالشلل.
وبيّن التقرير، أن التوقف، الذي استمر قرابة 6 أشهر ، شكّل تحديًا سياسيًا من جانب حفتر للسياسيين الأجانب الذين يهددون موقفه ويعتزمون الإطاحة به من السلطة.
وشدّد التقرير، على أن الهيكل غير القانوني لحفتر لبيع المنتجات البترولية يُعد انتهاكا للاتفاقيات الدولية، ويعطل نظام الإمداد النفطي العالمي، ويلحق أضرارًا كبيرة بالمواطنين الليبيين، الذين يتعين عليهم تحمل الفقر والجوع والأزمات الإنسانية، جراء تلك الممارسات.
وأردف التقرير: “يستخدم حفتر وحاشيته أرباح مبيعاتهم غير المشروعة لشراء أسلحة وعقارات فاخرة”، مستشهدا بما قاله الصحفيون الاستقصائيون، عن أن الأقارب والمقربين من حفتر استثمروا ملايين الدولارات في قصور فاخرة في فرنسا وإيطاليا وكندا والولايات المتحدة.
وكشف التقرير، عن أن موارد النفط الليبية تجذب التجار الأجانب المهتمين بأخذ هامش على الوساطة وإعادة بيع النفط، وأن حفتر قد باع النفط من خلال عدة شركات وسيطة مسجلة في دولة الإمارات.
وزاد التقرير: “تجارة النفط غير المشروعة لحفتر لا تمر مرور الكرام. حتى لو تم تعطيل أنظمة المعلومات الملاحية لناقلات النفط التي تصل طبرق، يمكن رؤية السفن بوضوح على الأقمار الصناعية، وأكد العديد من شهود العيان وصولهم إلى خليج طبرق، وتوقفت البيانات الخاصة بهذه السفن عن الدخول إلى نظام التتبع منذ بداية شهر يناير”
وتابع: “تستمر ناقلات النفط في الوصول إلى ميناء حريقة كل بضعة أيام. على سبيل المثال، في 27 يناير، تم شحن حوالي مليون برميل من النفط الخام إلى الناقلة إيلاندرا أوسبري. تم منح حوالي 600000 برميل للمشترين من سنغافورة، و400000 أخرى لشركة هولندية لم تذكر اسمها، ومن المعروف أيضًا أنه في فبراير تم تحميل 3.600.000 برميل على ناقلة النفط “الكابتن أستيلاس” المملوكة لشركة الخليج العربي للنفط وتقع في نفس ميناء الحريقة”
واستطرد: “تؤثر مثل هذه الإجراءات على أسعار النفط العالمية، مما يسمح لحفتر وأنصاره بزيادة هوامش ربحهم، متجاوزًا الأسواق الدولية والقيود الليبية الداخلية، حيث يبلغ إنتاج النفط اليومي في ليبيا 1.2 مليون برميل، لكن الكمية الدقيقة للنفط الموردة إلى السوق السوداء غير معروفة، ويبلغ الدخل الشهري التقريبي لحفتر، إذا تم شحن ما لا يقل عن 5 ملايين برميل شهريًا، حوالي 450-500 مليون دولار شهريًا، وهذا يكفي بسهولة لتمكين حفتر من الترويج لأجندته العسكرية والسياسية”
وواصل: “على الرغم من أن تصرفات حفتر التي تنتهك القوانين الليبية والدولية لم تمر مرور الكرام، إلا أن ردود فعل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانت ضعيفة، وأبلغ ممثلو وزارة الخارجية الأمريكية حفتر بالتهديد بفرض عقوبات”، لافتا إلى أن حفتر مواطن أمريكي متجنس ، لكن في حالة محاكمته سيتم التعامل معه وفقًا للقوانين المحلية.
وأوضح التقرير، أن ممثل وزارة الخارجية الأمريكية أفاد بأن واشنطن دعت جميع الأطراف في ليبيا إلى رفض أي محاولات لعسكرة قطاع الطاقة وتقسيم المؤسسات الاقتصادية في البلاد وإخضاع أهم منشآت البنية التحتية للمصالح الأجنبية، ومع ذلك فقد قصرت هذه الكلمات عن العمل، فيجب أن نتذكر أن بعض إمدادات النفط غير القانونية قد يتم إعادة بيعها إلى السوق الأمريكية، وفق التقرير.
واختتم الكاتب التقرير بالإشارة إلى أن غياب التنسيق المناسب لرد فعل دولي لإدانة أعمال حفتر كان له تأثير سلبي على سوق النفط الدولية، وعلى حياة ملايين المواطنين الليبيين، طالما أن حفتر يستغل مصادر دخله غير القانونية، فسوف يتجنب أي تسوية سياسية ويرفض الامتثال للاتفاقات التي من شأنها أن تسهم في المصالحة الوطنية في ليبيا وإنشاء مركز موحد ومستقر للسلطة في البلاد.