في رحيل الجزائري الكبير عبدالعزيز بوتفليقه.. مآثر منه و مآثر لأجله
بالأمس رحل عنّا بوتفليقة فودعته الجزائر الرسمية بالنكران و تجاهلته ليبيا التي يُحبها بالصمت ..
كانت آخر زيارات المرحوم الرئيس بوتفليقة إلى ليبيا في اواخر نوفمبر 2010 ، و كانت زيارة سريّة للإستشفاء ..
قبل عام من ذلك بعد عودته من فرنسا من علاج المرض الذي الم به لامه المرحوم معمر القذافي بقوله:
كيف الروساء العرب تعالجوا خارج بلدانكم و الاطباء العرب المتفوقين ماليين الدنيا … موش عيب علينا هذا”
اجاب الرئيس بوتفليقة:
و الله يا اخ معمر هذا عيب علينا و فينا انا لما الاطباء الاجانب يكشفوا علي و الله ” متحشم كأنهم ايفتشوا في” ، لكن لا الجزائر و لا غيرها من البلاد العربية عندها مشافي في مستوى المشافي الاوروبية و تكون حضرتك درت فينا خير لو تبنيت هذا الموضوع و الجزائر ستساهم فيه بمالها و اطبائها..
في ذاك اليوم صدرت التعليمات بإعداد الدراسات و التصاميم و حصر التكاليف لمستشفى تخصصي في ليبيا بمستوى المشافي الأجنبية تساهم فيه البلاد العربية عماده الأطباء العرب، و اختيرت النقازة قرب الخمس بين المنطقة المعروفة و شاطيء البحر مكاناً لذلك، لكن فتنة 2011 اسقطته مع ليبيا ..
في القمة العربية و الافريقية التي عقدت بسرت في بدايات اكتوبر 2010 رغب بوتفليقة في تلقي علاج طبيعي في ليبيا يقوم على المياه الساخنة الطبيعية و يرغب في ان يكون ذلك سرّياً..
في نهايات اكتوبر من نفس العام جاء الرجل لتلقي العلاج الذي طلبه بإشراف طبيب عربي مختص يعمل في ليبيا اختير مكانه في منابع وادي بي الساخنة قرب سرت ..
اصر المرحوم معمر القذافي أن يكون إلى جانب بوتفليقة في استشفائه فانتقل قبل وصوله بيوم إلى المكان و إطمان أول ما وصل على تجهيزه بالمعايير المطلوبة ..
في الليل وصل بوتفليقة إلى مطار القرضابية و انتقل الى حيث المكان في محمية وادي بي الطبيعية ففوجيء بأنه ضيفاً على ضيف ..
كان مرافقوا بوتفليقه في زيارته تلك اقل من عدد اصابع اليد ، و قد تكفلت الإدارة المختصة بجهاز الامن الخارجي بامنه فضمنت أمنه و سريّة الزيارة؛ و حتى يوم اكرمته مدينة سرت في واحدة من ليالي إقامته بسهرة فنيّة احيتها فرقة موسيقية من شبابها فإن امر الزيارة لم يتسرب حتى إلى سرت ..
غادر بوتفليقة المكان مسروراً و لكن الوقت كان ضيقا للعودة إلى طرابلس فقد كان اليوم التالي وقفة عرفات فترتب عليه إن كان عيدنا ذلك العام في وادي بي ، قرب قارة عبدالجليل سيف النصر حيث واجه حشود الاتراك التي حاصرته و من معه إلى أن أُنهكوا فخرج إليهم صائماً طلباً لسلامة مرافقيه لكن الاتراك صفّوه و من معه بأن حزّوا رأسه و خنقوهم هم بالحبال في 26 مايو 1842 ..
اليوم الثاني لمغادرة بوتفليقة، كان المرحوم جبران حسين بيننا. صبيحة يوم الوقفة تساءل فيما أننا سنظل هنا في المكان أم سنغادر على ما يُتداول . لم يكن عندنا جواباً له؛ فافترض بفطنته اننا مقيمون . خرج من عندنا و هو يقول :
عيدكم وجب علينا يا بن عمتي.
أصرّ المرحوم جبران أن يُسكِن الكرمُ في وادي بي.
في المساء كانت سيارة مليئة بالأضاحي قد افرغت حمولتها في الجوار مما جاد به هو و أهله ..
عيّدنا في وادي بي و قد اعادتنا اجواء ذلك العيد إلى أيامنا في البر فقد تفرغ الرفاق في ذلك اليوم له منذ الصباح فكانت السنة نيرانهم و دخاخينها في اجواء نهايات الخريف سيدة المشهد كله ..
بوتفليقة رجل مآثر عظيمة و من مآثره انه حين كان في عام 1974 رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة، ساعد ليبيا في جهدها لإعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في الأمم المتحدة؛
فصار منذ ذلك العام بإمكان العرب ان يتكلموا تحت قبتها بلغتهم و ان يتحصلوا على وثائقها بلغتهم و ان تصدر قراراتها بلغتهم.
بوتفليقة رجل وفي و حكيم لم ينسى لليبيا افضالها عليه حين طردته الجزائر الرسميّة و طاردته و لم يرى ليبيا إلا مشروع نهضة كبير .
في جهد ليبيا لتأسيس الإتحاد الإفريقي كان بوتفليقة إلى جانبها و وقف داعما لها و اعتبر المشروع يخص الجزائر فوضع كل جهده معه..
كان يحتفظ بود و تقدير خاص للمرحوم معمر القذافي و يتحمل لومه ..
في واحدة من المرّات أراد أن يهرب من أمر سياسي ما متعلق بإفريقيا كلفه به المرحوم معمر القذافي لأنه وجده محرجاً له. لامه المرحوم معمر القذافي . فقال له و الله يا أخ معمر انسيت .. الظاهر الكبر أثّر في .. قال له : من قالك اكبرت.. كيف عرفت روحك اكبرت ..
أجاب :
فيه ثلاث حاجات يعرف الواحد بيهن روحه اكبر ..
أول حاجة النسيان ..
ثم توقف قليلاً ، و اردف :
التانية و التالتة : انسيتهم
و على إجابته الأخيرة تغيرت الأجواء و انفتح حوار على ايجاد طريقة أخرى للوصول إلى ما يريده المرحوم معمر القذافي ، فبوتفليقة مقتنع به لكنه حائر في مفاتحة المعنين به لما فيها من احراج ..
بالأمس رحل بوتفليقة صاحب المآثر و الأفضال العظيمة على بلاده و العرب ، و لم يتفكره أحد من جيل زمن النكران هذا حتى بوداع لجثمانه يليق به أوحتى ببيان رثاء في مستوى بيان بوتفليقة على الأقل ..
حتى بلاده الجزائر التي ترأسها و هي في حفرة من الدم فأخرجها منها، و في حالة من الفقر فأغناها و هي مُدانة فخلصها و هي مكشوفة فحصّنها بأرصدة و احتياطيات من مال وفير ، لم تكرمه بما يليق به و يستحقه ..
الم يفكر هؤلاء حتى في تكريم ماضيهم عسى أن يكون ذلك مأثرة يذكرها لهم المستقبل حين يكونون خارجه ؟
بماذا سيلاقي هذا الجيل مستقبله بعد ان قصر حاضره على التنافس في ” الرذايل و السوايا” ..