عندما قال الدكتور سيف الإسلام القذافي قبل نحو يومين، في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز العالمية، أن النفط الليبي يضىء نصف إيطاليا في حين لا يجد الشعب الليبي الكهرباء، أمسك بيديه الحقيقة كاملة.
فإيطاليا وكافة دول الاتحاد الأوروبي، الذي يتقربون لليبيا، ويزورها مسؤوليهم ليل نهار، وواحدًا بعد آخر، ليس من حساباتهم نهضة ليبيا أو استعادة الوطن من جديد والتصدي للفوضى. ولكن تحقيق مصالحهم الخاصة فقط، على حساب الوضع الموجود وأيا كانت العصابات أو الجماعات المسلحة، التي تدير الوضع في البلد، وتوصف زورًا بالحكومات، ووصفهم الدكتور سيف الإسلام القذافي، “بأنهم لم يكونوا أكثر من مسلحين يرتدون البدل” وهذه حقيقة يعرفها كل ليبي.
وتثير الزيارة الحالية، لوزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، لليبيا اسئلة كثيرة، في مقدمتها السؤال عن المصلحة الليبية من جراء كل هذه الزيارات التي لا تنفض، خصوصا وأن “وكالة آكي الإيطالية”، أحصت نحو 5 زيارات على الأقل منذ بداية العام لوزير خارجية إيطاليا لليبيا؟! وبما يعني زيارة كل شهر وعدة أيام تقريبا للبلاد.
في نفس الوقت ما هى المصلحة الليبية التي تحققت للشعب الليبي جراء هذه العلاقة الدافئة مع روما؟! هل تحسنت أحواله؟ هل استطاعت روما بكل علاقاتها مع كافة أطراف المشهد السياسي الليبي شرق وغرب وقاعدتها العسكرية في الجنوب، أن تتحرك بشكل فعال لحث الليبيين على استعادة الأمن والتصدي للفوضى؟!
للاسف وكما يرى كثير من المحللين، فإن روما تمارس دورًا انتهازيًا في ليبيا ولا مبالغة في القول، أنها تريد ليبيا كما هى الآن فوضى وأوضاع متردية، ورتبت أمورها وعبر شركاتها العملاقة للاستفادة والعمل في هذه الأوضاع.
وقبل مجيئه بساعات إلى البلاد، قال الناطق الرسمي باسم حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، محمد حمودة،إن دي مايو سيزور ليبيا وسيلتقي الدبيبة لبحث العديد من الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، ويذكر في هذا أن الدبيبة، كان قد صرح خلال مقابلة شهيرة له مع صحيفة “كوريري ديلا سيرا” الإيطالية، مايو الماضي موجها حديثة للايطاليين “ليبيا منزلكم، ونحن نرحب بكم”!!
ويبدو أن الزيارة الخامسة لدي مايو هذه، تأتي للمنزل الثاني في ليبيا كما قالها الدبيبة نفسه!
وقالت وكالة آكي الايطالية، إن الزيارة التي بدأت بالعاصمة طرابلس ستشمل كذلك طبرق وبنغازي. وعلى مدى اليوم الأول لوصوله، التقى دي مايو، رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، ووزيرة الخارجية المختفية منذ أسابيع نجلاء المنقوش.
وفي الوقت الذي فيه رحب وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، بفتح الطريق الساحلي، مشيراً إلى أن الزيارة تأتي عقب فتح الطريق الساحلي بأيام، للتأكيد على أهمية هذه الخطوة الكبيرة، وأثنى على عمل المجلس الرئاسي خلال الفترة الماضية، في كل الاستحقاقات الموكلة إليه خاصة في ملف المصالحة وتوحيد مؤسسات الدولة، بالرغم من أن التحرك في ملف المصالحة الوطنية، لا يزال “صفر”. ومبديا استعداد روما للتعاون والعمل مع ليبيا في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية وغيرها، خاصة في الجنوب.
يرى محللون، أن زيارة وزير خارجية إيطاليا لويجي دي مايو، العاشق لليبيا أو ربما الذي يعيش أجواءً استعمارية بالية، أن الزيارة أكبر من ليبيا، وتأتي في إطار استراتيجية إيطالية معلنة للتواجد بشكل أكبر في أفريقيا وتعزيز الوجود الإيطالي في القارة السمراء، فحضور روما في إفريقيا، له أهداف رئيسية، تتعلق بدورها في مكافحة الاتجار بالبشر، ومنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين ومكافحة الإرهاب.
وفي تصريحات سابقة، قال وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني، أن التزام بلاده تجاه ليبيا ،يمثل جانبا من مشاركة أوسع في إفريقيا، خصوصا في منطقة الساحل، وكشف أن ايطاليا موجودة في النيجر منذ عام 2018 و تقوم ببناء “قاعدة لوجستية للتعاون”.
علاوة على أبعاد اقتصادية عدة، حيث تشير التقديرات إلى نسبة الشركات الإيطالية الصغيرة والمتوسطة، تمثل 97% من إجمالي الشركات الإيطالية العاملة في القارة الأفريقية، ويهم روما دعم هذه الشركات بشكل كبير لخدمة اقتصادها.
وبالإضافة الى كل ذلك فإن استمرار تمويل خفر السواحل الليبي، هو جريمة إيطالية مكتملة الأركان، وهناك انتقادات واسعة من جانب منظمة العفو الدولية والعديد من المنظمات الحقوقية، لهذا الدور المشبوه والذي صوت على استمراره البرلمان الإيطالي، فخفر السواحل الليبي، ليس أكثر من مجموعة من الميليشيات المسلحة وعصابات الاتجار في البشر وهناك جرائم مروعة واغتصاب وقتل وتعذيب يرتكبها في البحر وداخل معسكرات الاحتجاز ورغم ذلك تستمر روما في تمويله؟!!
وهو ما يدفع بعلامات استفهام كثيرة، ويؤكد أن إيطاليا حريصة على استمرار علاقاتها بالميليشيات الليبية بشكل أو بآخر وتوطيدها، حتى لو جاء ذلك على حساب الليبيين والمهاجرين غير الشرعيين.
ويبقى السؤال.. لماذا الاهتمام الإيطالي هكذا بليبيا؟ وهل هناك أي مصلحة تعود على ملايين الليبيين الذين يتعذبون يوميًا في الفوضى والخراب من هذا الدفء؟!