رسالة المستشار محمد الحافي، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الليبي، الموجهة إلى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية، بتاريخ 14 يوليو( ناصر) الجاري، تحت رقم 1043، وإن جاءت متأخرة، إلا أنها تمثل خطوة على الطريق الصحيح، ذلك أن المجلس الأعلى للقضاء الليبي، فيما سبق لم يحرك ساكنا في هذا الاتجاه، مع أنه كان يفترض به التدخل منذ البداية بما يحفظ للقضاء الليبي حقه في الولاية القضائية، لكنه للأسف ترك مسألة النظر في مطالب المحكمة الجنائية الدولية بيد ما كان يسمى – آنذاك – المجلس الانتقالي ووزارة العدل بالحكومة الإنتقالية.
الأمر الذي نجم عنه انفراد المدعو لويس موريس اوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بالقائمين على السلطة التنفيذية الإنتقالية، حيث استغل جهلهم بالاعيب القوى الإمبريالية، واستنفر مشاعرهم الحاقدة على رموز النظام الليبي الذي اسقطه حلف الناتو الصهيوصليبي. في الوقت الذي نعتبر فيه هذه الصحوة خطوة في الاتجاه الصحيح وفي غاية الأهمية، لا بد ان تعقبها خطوات من أجل رد الإعتبار للقضاء الليبي، ويستلزم الأمر بالضرورة ملاحقة كل أولئك الذين فرطوا في حق الولاية القضائية للقضاء الوطني الليبي، ويأتي على رأس هؤلاء المدعو محمد لملوم، وزير عدل حكومة الوفاق المنتهية ولايتها، والمدعو أحمد الجهاني، مندوب ليبيا السابق لدى المحكمة الجنائية الدولية، اللذان تنازلا عن حق ولاية القضاء الوطني الليبي خلال حضورهما لجلسة دائرة الاستئناف للمحكمة الجنائية الدولية المنعقدة في مقرها بمدينة لاهاي يومي 11~12 نوفمبر (الحرث) 2019، ذلك أن تصرفهما على هذا النحو يتنافى مع نص المادة 493 مكرر (ا) الفقرة (د) من قانون الاجراءات الجنائية الليبي التي تحظر بشكل قطعي تسليم المواطن الليبي للخارج.
ناهيك عن تعارض تصرفهما مع مواقف سابقة اتخذتها السلطات الليبية، وما فتئت تصر عليها، فضلاً عن تناقض تصرفهما مع روح قانون العفو العام رقم 6 لسنة 2015 الصادر عن مجلس النواب الليبي. مع العلم بأن المدعو أحمد الجهاني، مندوب ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية، وفي وقت مبكر إبان أحداث العدوان الصهيوصليبي على ليبيا سنة2011، انحاز للمتمردين عملاء حلف الناتو الصهيوصليبي، ونقل – من تلقاء نفسه – تبعيته لما سُمي آنذاك المجلس الإنتقالي، ولعب دوراً سلبياً بالتواطؤ بشكل مفضوح مع المدعو لويس موريس اوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
خلاصة القول هو ان رسالة رئيس المجلس الأعلى للقضاء الليبي تعد خطوة إيجابية لتعزيز هيبة القضاء الليبي، إلا أنه لا يزال ينقصها عنصر تفعيلها، إذ يستوجب الأمر توجيه رسالة رسمية بإسم الدكتور محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، للسيد كريم خان، المدعي العام الجديد للمحكمة الجنائية الدولية، تتضمن إحاطة بالموقف الليبي الرسمي حسب ما جاء في رسالة المستشار محمد الحافي، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الليبي المشار إليها.
أما بخصوص طلب تجديد مهمة المدعو أحمد الجهاني، بصفة مندوب ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية، أن تجربتنا خلال العشر سنوات الماضية، دلت على أنه لم يحقق فيها شيئا يذكر، لذلك فلا فائدة تُرجى منه، ويجب محاسبته على التواطؤ مع الغير( مكتب الإدعاء بالمحكمة الجنائية الدولية ) أضرارا بموكله (الدولة الليبية)، ذلك أن المعني ( أحمد الجهاني) ومعه المدعو محمد لملوم، وزير عدل حكومة الوفاق، – لحاجة في نفس يعقوب – تنازلا عن حق ولاية القضاء الوطني الليبي لصالح المحكمة الجنائية الدولية، خلال حضورهما جلسة دائرة الإستئناف للمحكمة الجنائية الدولية في 11~12 نوفمبر (الحرث) 2019، بالمخالفة لنص أحكام قانون الإجراءات الجنائية الليبي، فضلا عن كونه تعدياً على الحقوق المدنية والسياسية للمواطن الليبي.
وهو ما يمكن أن يعتبر تصرفاً يستدعي عزلهما ومعاقبتهما.
اخيراً، وفي سياق متصل، اقتبس خاتمة مقالة معنونة تحت عنوان “التآمر على العدالة.. سقط القناع عن اوكامبو”، كنت قد حررتها بإسم مستعار، في شهر مايو (الماء) سنة 2012، ونُشرت آنذاك في عدة صحف إلكترونية ليبية وعربية، جاء فيها: ” ما جرى ويجري في ليبيا يجعل الإنسان يقف حيرانا، ويتسأل أين هي الإنسانية؟ لماذا يُحرّف مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية النص ويُخرِج الوقائع على غير ما هي عليه لإرضاء طرف قوي على حساب آخر ضعيف، فأين المبادئ والأخلاق؟ أين القيم والمثل الإنسانية؟ متى يعي عقلاء المجتمع الدولي حجم الظلم الذي وقع على ليبيا وشعبها؟ والسؤال الأهم متى يدرك الليبيون بأنهم جميعاً في خطر ما دام ناقة البسوس الأجنبية مازالت تسرح بينهم؟”.
إشتيوي مفتاح محمد الجدي
دبلوماسي ليبي سابق