الدول الكبرى تتقاسم الكعكة الليبية في غياب السيادة الوطنية

الدول الكبرى تتقاسم الكعكة الليبية

يتقاسمون الكعكة الليبية.. طاولة تجمعهم بعد صراع احتدم على أرض ليبيا.. تفاهمات يعلنون عنها صراحة من ناحية.. وخلاف من ناحية أخرى لم يجد التفاهم له طريقا بعد.. ومن جهة ثالثة رؤى مبهمة حول مدى تضارب المصالح .. هكذا يبدو موقف المجتمع الدولي من ليبيا اليوم.

هذه ليست تكهنات أو كلمات مرسلة.. إنما هي تصريحات أدلى بها مسؤولون كبار في الدول الكبرى.

الدول الكبرى تتقاسم الكعكة الليبية

تركيا

فها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدعو أذربيجان للتعاون في قطاع البتروكيماويات وإنتاج النفط والغاز في ليبيا، ويؤكد استفادة الجانبين من بعضهما من خلال هذه الشراكة التي قد تفيد مصالح الدولتين إذا تعاونتا في ليبيا.. وكأن ليبيا مقاطعة تركية يدعو أدروغان من شاء إليها.

وهذا ليس بغريبا، فتركيا لها قاعدة في ليبيا، زارها وفد أمني رفيع المستوى دون علم القيادة والسلطات الليبية، وهو ما لاقى رفضا واسعا في الشارع الليبي، وصمت حكومي رهيب أثار حفيظة الليبيين واستنكارهم.

إيطاليا

ولكن ليست تركيا وحدها من ينتهج هذا النهج فقد سبقته إيطاليا حيث صرح رئيس دبلوماسيتها لويجي دي مايو في وقت سابق إن روما متقدمة على الجميع في ليبيا، وأن شركة “إيني” الإيطالية هي أقوى شركة أجنبية، فيما على الآخرين أن يبدأوا كل شيء من الصفر.

كما أشار في تصريحات أخرى أنه يجب على أي دولة لديها الرغبة في العمل بليبيا أن تقوم بالتنسيق مع إيطاليا، لضمان عدم تضارب المصالح والرؤى.

لم يكتفي دي مايو بذلك، إذ قال خلال منتدى الأعمال في روما، إن إيطاليا تريد أن تكون بطلة عملية لإعادة الإعمار في ليبيا، مؤكدا أنه أصبح لدى رواد الأعمال الإيطاليين الآن الفرصة لبناء تفاعلات مميزة مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية.

جاءت هذه التصريحات بعد التحركات المصرية بشأن عقد اتفاقيات مع ليبيا في عدة مجالات، أبرزها إعادة الإعمار، حيث توقع وزير القوى العاملة المصري محمد سعفان مشاركة 3 ملايين عامل مصري في إعادة إعمار ليبيا.

ولكن موقف روما من ليبيا لم يقف عند هذا الحد، فالصراع الإيطالي الفرنسي بشأن ليبيا يمتد منذ عام 2011، حيث تخوفت الأخيرة من تزايد النفوذ الفرنسي خاصة بعد قيادتها لضربات الناتو، وتزايد الصراع بين الدولتين بشأن ليبيا مع اندلاع الاشتباكات في طرابلس 2019، حيث دعم كل منهما طرفا على حساب الآخر، ناهيك عن مساعي كل منهما لزيادة نفوذها في الجنوب الليبي وبسط السيطرة عليه لتحقيق أكبر مكاسب.

الصراع الإيطالي الفرنسي

ولا ننسى اهتمام فرنسا بالحد من إرسال الأسلحة لليبيا وتسليطها الضوء على معاناة المهاجرين في ليبيا، على حساب اهتمام إيطاليا بوقف تدفقات المهاجرين القادمين من الشواطئ الليبية وإرجاعهم لليبيا.

وقد عملت كل من إيطاليا وفرنسا على دعم نقاط نفوذها في ليبيا من خلال توطيد علاقاتها مع حلفائها المحليين بالداخل في مختلف المناطق.

ولكن يبدو أن خارطة التحالفات قد تتغير في ظل السعي للتهدئة في ليبيا، وبالتالي ظهور مؤشرات لتفاهمات إيطالية فرنسية بشأن البلاد، وهذا ما أكدته تصريحات وزير الخارجية الإيطالي وذلك في معرض رده عن حقيقة التنافس بين روما وباريس بشأن ليبيا، حيث قال إن التفاهم بين إيطاليا وفرنسا في الشأن الليبي متين، مشيرا إلى أن بلاده نشطة في ليبيا نظرا لأهميتها لأمن أوروبا بأسرها.

الولايات المتحدة وروسيا

الولايات المتحدة وروسيا، قطبي المجتمع الدولي، ليسا بعيدين عن الكعكة الليبية، وفي هذا الصدد كشف تقرير لمجلة “ميدل إيست مونيتور” البريطانية، إن الاتفاق بين واشنطن وموسكو بشأن ليبيا أمر لا يمكن التنبؤ به حاليًا، مشيرا إلى أن إدارة بايدن تولي اهتماما كبيرا بليبيا مقارنة بإدارة ترامب.

وأضاف التقرير أن التفاهمات التي توصل إليها لقاء بايدن الأخير مع نظيره الروسي بوتين هو من سيحدد ماذا سيحصل بين واشنطن وموسكو في مؤتمر برلين 2، مشيرًا إلى أن أي خلافات بينهما من الممكن أن تنعكس سلبًا على استمرارية وقف إطلاق النار وإجراء الانتخابات في موعدها.

وبالطبع فإن الموقف الروسي من ليبيا ليس مجهولا، حيث يبدو أن الملف الليبي من بين أولوياته، وبدا ذلك جليا من خلال تصريحات المسؤولين التي لطالما أكدت ضرورة التهدئة وإجراء الانتخابات، والإشارة إلى أن تدخل الناتو هو من دمر ليبيا، إضافة إلى تواجدها الفاعل في مختلف المحافل الدولية التي أقيمت بشأن ليبيا.

ألمانيا

ألمانيا الدولة الكبرى المتبقية أيضا لها اهتمام ومصالح في ليبيا، وما دل على ذلك تنظيمها مؤتمري برلين 1 واستعداداتها لاستضافة الثاني قريبا، وهو ما يؤكد المصالح الألمانية ومدى الحرص عليها، ولكن تنظيم هذا المؤتمر لم يخلو أيضا من محاولة تصفية الحسابات، خاصة وأن ألمانيا اعتبرت أحد الأطراف الداعمة للتواجد التركي في ليبيا، حيث تجاهلت برلين دعوة أثينا للمؤتمر، وهو ما أثار حفيظة الأخيرة واستيائها، وهذا ما ردت عليه الناطقة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبار بأن “مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا جمع كل من شارك في مؤتمر برلين الأول الذي عقد في يناير 2020 وعملية المتابعة اللاحقة”، مضيفة بأنه نتيجة ارتباط قضية ليبيا بمصالح عديد المنظمات والدول، « تهتم الحكومة الألمانية بالتعاون الوثيق قدر الإمكان، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو مع الأمم المتحدة».

يبدو ما خلال ما ذكر أن المجتمع الدولي هو المتحكم الفعلي في الأوضاع الليبية، من خلال عناصر محلية، وهو ما أكدته المبعوثة الأممية بالإنابة سابقًا “ستيفاني ويليامز”، عندما قالت “هنالك نهجًا من الخارج إلى الداخل تستخدم فيه الدول الأجنبية بمساعدة الأطراف المختلفة في ليبيا نفوذها على وكلائها المحليين، لتسهيل الاتفاقات.

التفاهم بين الدول الكبرى التي تدير قطع الشنطرنج الليبية على طاولتها، سيحدد حجم المصالح التي ستحصل عليها كل دولة من البلاد.. وكل ذلك بالطبع سيجري في غياب أي ليبي يمكنه أن يتحدث باسم المواطن الغلبان.