تغرد خارج السرب.. تتجاهل أصوات الشارع.. تنكر الدعوات لتوكيله في شؤون الليبيين.. إنها فاتوا بنسودا مدعية محكمة الجنايات الدولية التي تشارف على إنهاء عملها وتسلميه لمن قد يكون أجدر وأحق منها بالمكانة الحساسة.
بنسودا التي تكيل بمكيالين طالبت في عدة مناسبات بتسليم الدكتور سيف الإسلام القذافي نفسه للمحكمة الدولية، ولكنها تجاهلت أنه بُرء من القضاء الليبي الذي يعد هو الأحق بمحاكمة ومحاسبة أي مواطن ليبي.
بنسودا التي يفترض أن تكون ميزانا للعدالة في المجتمع الدولي ورقيبا على الجرائم الدولية، التقت في عدة مناسبات أمير قطر، أو عراب النكبة التي حلت بليبيا في 2011، حيث كان من بين الداعمين وبشدة لإسقاط النظام الذي لطالما حذر من الإخوان المسلمين وانتماءاتهم، وكان من بين الدول التي أرسلت الأسلحة والمرتزقة للمساهمة في دعم المليشيات التي وقفت ضد قوات الشعب المسلح.
فاتوا بنسودا التي يفترض أن تكون لسان العدالة في المجتمع الدولي في مرحلة ما بحكم منصبها، أعلنت جهارا نهارا في 2019 إشادتها بجهود قطر العالمية في تطوير تنفيذ القانون، كما أعربت عن أسفها من الحصار الذي كان مفروضا على قطر خلال السنوات الماضية.
ولم تكتفي بذلك بل “أشادت بالطريقة التي تدير بها دولة قطر هذه الأزمة معبرة عن إعجابها بالدور القطري الذي طالب بالبراهين والأدلة”، متجاهلة تماما ما يعرض عبر وسائل الإعلام والأدلة المعروفة المتعلقة بالاتهامات الموجهة لقطر بسوء معاملة العمال.
هذه التصريحات عكست مدى التقارب المشبوه بين قطر وأميرها وبنسودا، وما زاد من وضوح الأمر إعلان الأخيرة امتنانها “للدعم الذي تقدمه دولة قطر للمحكمة الجنائية الدولية”، ما يعني أن مواقف قطر وتوجهاتها يمكن أن تنعكس بشكل أو بآخر في تقارير وتصريحات وإفادات مدعية الجنايات الدولية.
زيارة مدعية في منظمة يفترض أنها جهة رقابية دولية، لدولة يثار حولها العديد من الشبهات، يثير تساؤلات حول مدى الاستفادة الشخصية من تلك الزيارات خاصة وأنها تثني على تلك الدولة وتتجاهل مواقفها المسيئة لغيرها من الدول.
من جهة أخرى أعلنت بنسودا في ديسمبر 2020 أنها بصدد إغلاق تحقيق أولي في جرائم حرب ارتكبها جنود بريطانيون عقب الغزو بقيادة أميركية للعراق، قائلة إنها لم تتمكن من العثور على أي دليل على أن بريطانيا حمت مشتبها بهم من الملاحقة أمام محاكم بريطانية، كما أضافت أنه “بعد استنفاد خيوط التحقيق المعقولة استنادا إلى المعلومات المتاحة، قررت بالتالي أن القرار الوحيد المناسب مهنيا في هذه المرحلة هو إغلاق التحقيق الأولي”.
هذه التصريحات جاءت متناقضة مع تصريحات أدلت بها هي نفسها في 2017 عندما أكدت أن هناك “أسبابا معقولة” تدعو للاعتقاد أن جنودا بريطانيين ارتكبوا بالفعل جرائم حرب في العراق.
وفي هذا الصدد لا ننسى الجرائم المروعة التي ارتكبت في ليبيا، والتي تغاضت عن الكثير منها تقارير الجنايات الدولية لصالح جهات ودول معينة، وخاصة الانتهاكات التي ارتكبتها دول الناتو في ليبيا، والتي لم يتم التطرق إلى غالبيتها في تقارير بنسودا على الرغم من توثيقها من قبل منظمات دولية عديدة.
وفي سياق آخر تقارير الجنايات الدولية بشأن القضية الفلسطينية والمجازر التي ترتكب في غزة وغيرها من المدن والأراضي الفلسطينية من الصهاينة، والتي على الرغم من تجاهل العديد منها إلا أنها ووجهت بنقد إسرائيلي واتهامات بالتحيز.
تناقض تصريحات بنسودا.. وشبهات تعاملاتها مع قطر.. والاتهامات العديدة التي وجهت إليها بتجاهل الانتهاكات التي وقعت في ليبيا ودول أخرى، إضافة إلى إغلاق ملفات وقضايا تحقيق كان يفترض أن تصل إلى نتائج في العراق.. كلها أسباب كافية للتشكيك في تقارير لمدعية الجنائية الدولية وشهاداتها وتصريحاتها.
هذه المؤشرات العديدة تعتبر دافعا قويا من وجهة العديد من المراقبين لانتظار اليوم الذي ستترك فيه بنسودا منصبها ليحل محلها من قد يكون منصفا ويراقب الشأن الليبي بعين القانون وليس بعين المأجور.