
أكد مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن ليبيا عادت من جديد إلى دائرة الاهتمام الإقليمي بشكل غير مسبوق، ما قد يعرضها إلى محاولات فرض وصاية جديدة تحد من استقلاليتها، خاصة إذا فشلت حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية في مهمة إدارة البلاد وإجراء الانتخابات المقررة نهاية العام الجاري، والوصول إلى حكومة منتخبة.
وذكر تقرير المركز أن حالة رغبة بعض الدول الإقليمية بامتلاك النفوذ الأكبر في ليبيا اليوم، تختلف بشكل نسبي عن ما كانت عليه قبل قرن من الزمان تقريباً، بحسب ما يراه الباحث الاستراتيجي، “صالح بن عطية”، موضحاً أن “الصراع اليوم على ليبيا لا يرتبط بالثروات بشكلٍ كليٍ، وإنما بات يرتبط بالأمن القومي لبعض الدول المتنافسة على النفوذ، فالأطماع التركية في ليبيا خلال السنوات الخمس الأخيرة، أيقظت دول الإقليم وخاصة دول الاتحاد الأوروبي على أهمية موقع ليبيا، وضرورة حرمان تركيا من الانفراد بالسيطرة عليها، لا سيما في ظل الصدامات المتكررة بين الطرفين، وإمكانية استغلال تركيا للأرضي الليبية كورقة ضغط على جنوب الاتحاد الأوروبي من خلال عمليات الهجرة غير الشرعية، والتي قد تساهم في دخول عناصر إرهابية إلى القارة الأوروبية”.
وأشار “بن عطية” إلى أن أهمية ليبيا للدول الأوروبية وخصوصاً إيطاليا، التي تعتبر محطة رئيسية للهجرة غير الشرعية عبر ليبيا، جاءت من خلال محاولة تركيا السيطرة على الحدود البحرية الجنوبية للقارة الأوروبية، عبر السيطرة على الحكم في كل من مصر وليبيا وتونس، بدعم جماعة الإخوان المسلمين، مشدداً على أن الصراع الدولي أو بالأحرى الإقليمي بين تركيا والاتحاد الأوروبي هو السبب الأول والمباشر لمحاولة كل طرف فرض سيطرته في ليبيا.
ولفت “بن عطية” إلى أن “التدخل العسكري التركي المباشر أو من خلال الميليشيات الأجنبية عقد الموقف بشكل كبير، وأدخل البلاد فعلياً في حالة تدويل كانت ستجعل من ازمتها أزمة شبيهة تماماً بالأزمة السورية من ناحية الصراع الدولي وتعدد الجهات المقاتلة في البلاد، معتبراً أن حكومة السراج، المقربة من جماعة الإخوان المسلمين، تتحمل وزراً كبيراً فيما حدث من خلال تحالفاتها الخارجية”.
من جانبه أورد تقرير المركز أن الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “عمرو عبد الدايم”، يرى أن تدخل تركيا في الشأن الداخلي الليبي فتح العيون الأوروبية على ضرورة استعادة النفوذ في شمال إفريقيا، وخاصة في ليبيا، التي تعيش حالة حرب مقابل استقرار نسبي في تونس، مشدداً على أن خطة الاتحاد الأوروبي ستقوم على منع تمكين تركيا زرع قواعد لها في ليبيا، لا سيما وأن الدول الأوروبية، التي تعتبر تلك القواعد خطراً يهدد امنها القومي والاقتصادي.
بالإضافة إلى الصراع الإقليمي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، يذكر “عبد الدايم” أن التدخلات التركية في ليبيا، أثارت أيضاً شهية روسيا للدخول على خط الصراع في ليبيا، تحديداً وأن روسيا تخوض حرباً في سوريا للحصول على قواعد بحرية في شرق المتوسط، بالإضافة إلى وجود مطمع روسي بآبار النفط الليبية، مشدداً على أن تركيا عملياً لم تفجر صراع داخلي ليبي، وإنما صراع دولي متعدد الأقطاب.
تعليقاً على مسألة السيادة الليبية، يرى المحلل السياسي “عمران الجعفري”، أن ليبيا الآن تخضع لصراع ثلاث قوى هي روسيا وتركيا والاتحاد الأوروبي، مضيفاً: “للإنصاف فإن الاتحاد الأوروبي المصلحة الاكبر في استقرار ليبيا، مقارنةً بتركيا وروسيا، ولكن ضرورات الأمن القومي الاوروبي ستدفع دول الاتحاد للعب دور كبير في الساحة الليبية لمنع وجود سيطرة روسية أو تركيا على الحدود الجنوبية، وهذه المعادلة ستعقد من مهمة الحكومات الليبية القادمة وتحد من قدرتها على صون السيادة الوطنية”.
ولفت “الجعفري” إلى أن الدور الأوروبي في ليبيا، تقوده إيطاليا، المستعمر القديم والدولة الأقرب جغرافياً لليبيا، مشيراً إلى أن ليبيا حتى وإن صمتت مدافع الداخل، فإنها لا تزال تعاني في ملف الصراعات الخارجية والدولية، والتي قد تساهم في أي لحظة بانهيار الاتفاقات السياسية الحاصلة.
وحذر “الجعفري” من التفاؤل الزائد بعد تشكيل الحكومة الجديدة في البلاد، معتبراً أن التحدي الحقيقي هو قدرتها على إنهاء الفترة المتبقية من السنة بنجاح، وصولاً إلى إجراء الانتخابات وتسليم السلطة لهيئات منتخبة.
كما أشار “الجعفري” إلى أن الأشهر الـ 8 القادمة، ستكون أشهر مفصلية وقد تحمل الفرصة الأخيرة للحفاظ على الكيان الليبي كما هو، مشدداً على أنه في حال فشلت السلطة الحالية بدمج مؤسسات الدولة وتوحيدها وخاصةً العسكرية منها، بالإضافة إلى إنهاء ملف الميليشيات والقوات الأجنبية على الأرض الليبي، فإن حالة الاستقرار النسبي في ليبيا ستنهار وتعود البلاد إلى دوامة الحرب مجدداً.