البريكي: فبراير سبقها تضليل وبدأت بكذبة “تربل”…وعقيدتهم الدم وبهجتهم كانت كثرة الضحايا

رغم مرور 10 سنوات على واحدة من كبريات المؤامرات في التاريخ العالمي الحديث وهي مؤامرة الناتو على ليبيا في فبراير 2011، وما تلاها من دمار وخراب وانكشاف لمواقف عرابي تلك المؤامرة الداخليين، والذي أظهر بجلاء لمن خُدعوا في شعاراتها المعسولة وأكاذيبها ووعودها الزائفة، مازالت الدلائل والشهادات على الأحداث تبرُز، بمناسبة أو بدون، لتكشف للمواطن الليبي حجم المؤامرة التي حيكت ضده قبل عقد من الزمن، باستخدام ثلة من بني وطنه، جعلته يعاني طيلة 10 سنوات مالم يأتيه في أسوأ نوبات كوابيسه قبل ذلك التاريخ.

وكما كانت مؤامرة فبراير أكذوبة كبيرة، كان لابد أن تبدأ أحداثها بأكذوبة، كان وراءها المدعو فتحي تربل، أمين رابطة ضحايا سجن أبو سليم، وفي هذا السياق يروي د.رمضان البريكي، وزير الإعلام الأسبق في النظام الجماهيري ورئيس تحرير صحيفة “قورينا” سابقا، خلال مقابلة أجراها معه الصحفي محمد عبد السلام موسى، أمس الخميس، عبر قناة “الجماهيرية” قائلا: “شاءت الصدفة أن أكون موجودا يوم 15 فبراير مساءً في مديرية أمن بنغازي، حينها كان قد تم التحفظ على فتحي تربل، وبدأت مجموعة تنتمي للرابطة المشار إليها في التجمع أمام المديرية للمطالبة بالإفراج عنه”

وأكمل د.البريكي: “سُمح لـ 6 أشخاص منهم بالدخول لمعرفة مطالبهم، وأثناء وجودي بالصدفة في أحد الممرات رأيتهم يتحدثون إلى اللواء عبد الله السنوسي والتقطت لهم صورة بهاتفي المحمول، وطلبوا دخول عدد أكبر منهم للتحدث للمسؤولين في مديرية الأمن، وبالفعل دخل حوالي 25 شخص وجلسوا في إحدى القاعات”

وتابع: “كان فتحي تربل قد رُصد له اتصال بمجموعة من طرابلس يخبرهم بأن سجن أبو سليم قد اشتعلت فيه النيران واحترق، وأن عليهم الذهاب لإنقاذ أبنائهم، كان الهدف من ذلك خلق تجمهر آخر مواز أمام سجن أبو سليم، ولم تكن هذه الرواية حقيقية بالمرة”

وزاد: “المجموعة التي دخلت المديرية لم يكونوا مصدقين أن فتحي فعل ذلك إلا بعد أن اعترف أمامهم، بعدها تم إطلاق سراحه في نفس الليلة بعد أن ضمنوه وأقروا بالخطأ الذي ارتكبه، وكان المفترض أن تذهب المجموعة التي اجتمعت في القاعة إلى المتجمعين ليخبروهم بأن فتحي روج معلومات خاطئة، وأن النية كانت مبيتة لديه لزعزعة الأمن والاستقرار في طرابلس، لكنهم لم يفعلوا، ولم ينفض التجمع واتجهوا نحو وسط المدينة”

وواصل: “لاحظت أن من بينهم الكثير من الملتحين بالإضافة إلى بعض الشباب الفضوليين، ناهيك عن أن سجناء أبو سليم هم من المتطرفين من تنظيم القاعدة وتنظيمات متطرفة أخرى”

وأشار رمضان البريكي، إلى أن أغلب ضحايا سجن أبو سليم دخلوا في صلح مع الدولة وقبلوا بالتعويضات المادية جبرا للضرر، والتي كانت مرضية إلى حد كبير، بلغت 120 ألف دينار عن كل شخص قضى في السجن، وليس فقط من توفوا في الحادثة، إضافة إلى ضمان اجتماعي لأسرة المتوفى، مبينا أن عدد من توفوا 120 شخصا، وأن ما ذكر عن كونهم 1200، فهو ضمن سياسية التأليف والتزوير، وفق قوله.

وأكد الأمين السابق للمؤسسة العامة للإعلام، أن رابطة ضحايا سجن أبو سليم كانت تنظم مظاهرة كل يوم سبت بشكل دوري تحت حماية الشرطة، وكانت تتم تغطيتها في صحيفة “قورينا”

وبيّن البريكي، أن الدولة فتحت حوارا مع سجناء أبو سليم، في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي، وكان عددهم 450 شخصا كان يطلق عليهم المجموعة (ج) وهم الأقل تطرفا ومن قبلوا بالحوار، وأنه (البريكي) أدار واحدة من 3 حلقات نقاش، واستمر الحوار حوالي شهر ونصف.

وأردف قائلا: “بعدها شهدنا 4 سنوات عنيفة في بنغازي على يد الجماعة المقاتلة كان من بين قياداتها الساعدي الذي يطل علينا حاليا من وسائل الإعلام في اسطنبول، وعبد الحكيم بلحاج قائد الجناح العسكري، نفذوا عمليات اغتيال كثيرة في حق رجال الأمن، من ضمنهم المقدم سالم المجروس، الذي كان حريصا على خروجهم وكان يبدي مرونة كبيرة حيالهم.

واستطرد قائلا: “أثناء وجود هذه المجموعة في السجن وقعت عمليتا عنف كبيرتان، محاولة اغتيال القائد أثناء زيارة حافظ الأسد، وعملية عنف أخرى، وأثناء التحقيق مع أحد العناصر المقبوض عليها اعترف بأن بقية أعضاء الخلية موجودون في سجن أبو سليم، واكتشف رجال الأمن أنهم من المجموعة (ج) الذين كانوا على وشك إطلاق سراحهم، وهو ما أجل خروجهم حوالي 3-4 سنوات، لكنهم خرجوا”

وقال البريكي: “القائد كان يرى أنه ليس هدف الدولة أن تسجن، لكنه كان يرى أن الدولة تتحفظ على من تُشكل حريته خطرا على حرية الآخرين، وكان يقول إن اتخاذ قرار بسجن شخص أسهل من اتخاذ قرار بإطلاق سراحه، خاصة لو مكث مدة طويلة في السجن”

وحول حادثة سجن أبو سليم، أخبر البريكي بأن، المجموعتان أ،ب اللتان استمرتا في السجن، حاول بعض الأشخاص منهما التمرد وحصلوا على قطع السلاح وأطلقوا النار على بعض الحراس، مردفا: “كان لابد للأمن أن يقوم بدوره خاصة بعد أن أصبح السجين مسلحا، وأفضت الحادثة إلى مقتل عدد من الأفراد”

وأكد البريكي، أن أحداث فبراير 2011 صاحبها منذ البداية، بل وسبقها، تزييف وتضليل إعلامي وقلب للحقائق ونسج الكثير من الأكاذيب، موضحا: “فبراير بدأت بكذبة فتحي تربل، وكان لديهم عقيدة بأن الدم هو وقود الفتنة، وأنه يجب أن تسيل كثير من الدماء حتى يتأجج الغضب ضد النظام، وكانوا يبتهجون لسقوط ضحايا”، لافتا إلى أنه قد جرى الحديث مبكرا عن جلب مرتزقة

وأوضح البريكي موضوع القبعات الصفراء، قائلا: “عندما بدأ التظاهر في ميدان الشجرة في اليوم الثاني بعد توجه المتجمعين أمام مديرية الأمن إلى وسط المدينة، بدأت تتحرك مسيرات مؤيدة للقائد حيث دخلت المسيرة المؤيدة الميدان بأعداد كبيرة، فذهب المعارضون إلى الشوارع الخلفية وبدأوا في قذف الشباب بالحجارة ما أدى إلى جرح العديد من الأشخاص”

وأضاف: “في اليوم التالي عاود المؤيدون الكرّة، وكان أحد من جُرحوا يملك شركة معدات وإنشاءات، أحضر 50 قبعة من تلك التي يرتديها المهندسون والعاملون في المواقع الإنشائية، لحماية أنفسهم من الحجارة، ومن هنا ظهرت أكذوبة القبعات الصفراء”

وتابع: “هذا التزييف أثر في الوعي وقلب حقائق كثيرة وخلق شخصيات وهمية بصفة نضال تم تجنيدها وعلى رأسهم إيمان العبيدي، وأشهر الادعاءات الكاذبة كانت اغتصاب إيمان العبيدي، كانت عزفا على وتر المرأة المسكينة المنتهكة وأن عملية الاغتصاب هي عملية مبرمجة، حتى جاءت سرقيوة وقالت إن هناك 8 آلاف مغتصبة، ردد ذلك محمود جبريل ثم بعد ذلك قال بأنه كان ضحية وأن هذا ما قيل له، والبعض الآخر قال بأن هذه كذبة كان لابد من الاستمرار فيها لأن هذه معركة، وفي المعركة يجوز أن تكذب وأن تزور”

وأكد البريكي، أن التضليل لم يكن في وسائل الإعلام فحسب، وأنه كان هناك تضليل بالتواصل المباشر الميداني، وأنه رأى من يزعم رؤية المرتزقة في أحد شوارع بنغازي، فضلا عن سيدة كانت تحرض الشباب بشحنهم، فكانت تقول لهم: “إن المصريين والتونسيين قالوا إن الليبيين لابد أن يخفضوا رؤوسهم كي يرى الرجال بعضهم، بمعنى أن هناك رجالا في تونس ومصر قاموا بالتغيير، بينما لا يوجد رجال في ليبيا”

وأرجع البريكي تصديق الناس للأكاذيب والشائعات آنذاك إلى أن الناس عندما تسمع من شخص يروي شيئا بصفة شاهد عيان لا تملك إلا التصديق، خاصة إذا كان الراوي شخص يفترض فيه الصدق، ضاربا المثال بالشيخ الدوكالي الذي زعم كذبا أنه رأى قصف بالطيران للأحياء المدنية في فشلوم، مبديا استغرابه من عدم تراجعه عن شهادته الزور حتى الآن.

وانتقد البريكي التناقض في الحديث لدى مصطفى عبد الجليل، قائلا: “التقى مصطفى عبد الجليل بأهله وأقاربه منذ حوالي شهرين، والمدهش أنه افتخر بجهاد قبيلته ضد المستعمر الإيطالي عام 1911، لكنه بعد ذلك التاريخ بقرن، في عام 2011 ذهب إلى إيطاليا وقال للطليان: “أنتم الذين عمرتم ليبيا وزرعتم الزيتون ونحن نأكل مما زرعتم، وأنتم من عمرتم طرابلس وبنغازي والجبل الأخضر”، منوها أن الاحتلال الإيطالي لليبيا كان استيطانيا، بلا نية للمغادرة.

وفي معرض حديثه عن الأشخاص الذين تنكروا لصنيع المعروف معهم من قبل الزعيم الراحل معمر القذافي، أشار البريكي إلى مثال آخر وهو الدكتور فتحي البعجة، الأستاذ في جامعة قاريونس، وروى أن الأخير كان قد كتب مقالا عام 2007 تحت عنوان “ليبيا إلى أين” انتقد خلاله توجه القائد نحو أفريقيا، كما حمل المقال بعض الإسقاطات والسخرية من ملابس القائد، مشيرا إلى أنه لم يُحقق معه من أي جهة، وأن القائد التقى به وكان اللقاء وديا واثنى على كتاباته وطلب منه الاستمرار في الكتابة، حيث كان القائد متعاطفا مع قبيلة الجوازي التي ينتمي إليها فتحي على خلفية مذبحة الجوازي التي ارتكبها الأتراك بحقهم، بل أنه عندما توقف الدكتور فتحي لفترة عن الكتابة، تم الاتصال بي بصفتي رئيسا لتحرير “قورينا” للسؤال عن السبب، ظنا منهم أني أمنعه من الكتابة، وفق قوله.

وقال رئيس تحرير صحيفة “قورينا” سابقا، “إن الانشقاقات والانضمام لصف فبراير والناتو كثيرا ماخ رُبط بـ “الوعي” من كان يعي المؤامرة ومن لم يكن يعي، هناك من يقول لم نكن نعرف، وبطبيعة الحال البحث عن مبررات هو اعتذار بطريقة أو بأخرى، لكن هناك شخصيات كثيرة لم يكن ينقصها المؤهل العلمي أو الخبرة السياسية والحنكة ليعوا حجم المؤامرة.