أدخل حلف الناتو ليبيا في متاهة ضخمة، وفي دروب من الضياع. عندما فرض نفسه بمعاونة مجموعة من الخونة والذيول والاستعماريين الجدد، كأوصياء على الشعب الليبي، واختلقت المخابرات الفرنسية، باعتراف المجرم الرئيس الفرنسي السابق، ساركوزي، ما أسمتها ثورة في ليبيا 2011، وكانت فوضى وفتنة عارمة وانقسام شديد، فرق جموع الشعب الليبي طيلة 10 سنوات، يعيش فيها في الظلام، وتتبادل بلدياته ومدنه الأسرى كأعداء وليسوا ابناء وطن واحد.
وخلال السنوات السوداء الماضية، ارتكبت انتهاكات مروعة، وزج بالآلاف في السجون والمعتقلات دون أي تهمة لمجرد أنهم من أنصار النظام الجماهيري، أو من عموم الشعب الليبي الذي رفض بكل قوة ثورة الخونة والذيول.
وانطلاقا، من إرادة شعبية على الأرض وقوة حقيقية لأنصار النظام الجماهيري، الذي دافع عن كبرياء ليبيا واستقلالها واستقرارها طيلة سنوات طويلة، لم يكن هناك مفرا من العمل على جبر الضرر، وتعويض الضحايا واخراج المعتقلين وغلق السجون الأبدية وتفعيل قانون العفو العام والغاء العزل السياسي وتفعيل بنود المصالحة الوطنية.
وهو ما انتبهت له بذكاء البعثة الأممية في ليبيا، والمبعوثة السابقة بالإنابة ستيفاني وليامز، فرأت أن تحقيق المصالحة الوطنية واجراء انتخابات شعبية شفافة هو السبيل الوحيد لاستعادة ليبيا من جديد.
ولذلك جاء قرار رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي، محمد المنفي، تأسيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية لتكون صرحا لجميع الليبيين وجبرا للضرر وتحقيقا للعدالة فيما بينهم بما يكفله القانون، ليعتبرها الكثيرون بداية نحو استعادة الوطن ونبذ الاقصاء والفرقة.
وهو ما دفع زياد دغيم عضو مجلس النواب، للترحيب على الفور، بقرار تشكيل المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، باعتباره استحقاق أساسي من مخرجات الحوار السياسي.
متمنيا لها النجاح، بالابتعاد عن البيروقراطية الإدارية والشكليات وتقديمها التوصيات للحكومة، تشمل التعويض وجبر الضرر للمتضررين و وأخرى للبرلمان كتفعيل قوانين العفو العام وإلغاء العزل السياسي.
وقال دغيم، المصالحة عنوان كبير وواسع، وأول خطوة الان توحيد حقيقي ومتوازن للمؤسسات بعيدا عن التحيز وسياسات العقاب .
وكان قد أعلن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، خلال مؤتمر صحفي، تأسيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية.
وأهاب الرئاسي، بكافة القوى السياسية والاجتماعية والنشطاء بمنظمات المجتمع المدني، الانخراط في مسارات المصالحة الوطنية لإنجاحها وإخراج ليبيا من أزمتها، وتذليل الصعاب التي تعترض مسارات هذه المصالحة الوطنية. مؤكدا انها لن تتحقق إلا بجهد وطني جامع.
ودعا المجلس الرئاسي الجميع، إلى اغتنام فرصة الأجواء الإيجابية في هذه المرحلة، وذلك للوصول إلى مناخ ملائم لتنفيذ الاستحقاق الأكبر وهو إطلاق عملية الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ديسمبر2021 المقبل.
وأضاف الرئاسي، عبر كلمة محمد المنفي، إنه لمس من ركون الرأي العام وعموم الليبيين باعتبارهم مصدر السلطات وكذلك الأطراف السياسية والاجتماعية الفاعلة في المشهد الليبي إلى جانب نبذ العنف والتطرف، ومحاربة الفساد والرغبة الحقيقية في بناء دولتهم المنشودة على أساس من العدالة والمساواة واحترام القانون، وجبر الضرر ونبذ خلافات الماضي، وبناء عقد اجتماعي يتضمن الحقوق والواجبات والالتزام.
وشدد المنفي، أن المفوضية العليا للمصالحة الوطنية سترعى عملية توافق وطني يقوم على التسامح والعدل وإزالة آثار الماضي سعيا نحو تعايش سلمي بين مكونات المجتمع الليبي، يضمن الانتقال إلى الديمقراطية وعلى نحو سلس.
وعلق نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، إن المجلس، لن يترك ملف المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية وستتم إحالة كافة المتورطين للقضاء. مضيفًا أن عديد الانتهاكات من قبل المتورطين في الجرائم الإنسانية سجلت، وستتم معاقبة كل مَن أذى أي ليبي.
وكشف اللافي، أن برنامج المصالحة الوطنية، سيبدأ بتشكيل مفوضية عُليا من رئيس وستة أعضاء تندرج تحتها لجان تعمل على لقاء المواطنين في المدن، مشيرا إلى أن ملف المهجرين والنازحين سيكون حاضرا ضمن عمل المفوضية لتحقيق العدالة الانتقالية.
وعلقت الصحفية والكاتبة، سوزان عاشور، بالقول إن التصريحات من جانب المجلس الرئاسي، عن المصالحة الوطنية، يمكن اخذها على محمل النوايا الحسنة. لكن لابد من خطوات على أرض الواقع حتى لا نتفاجأ بمطبات وعوائق على حد قولها.
وقالت عاشور، إن المصالحة تعني الاستقرار، وأهم خطوة في الاستقرار، خطة أمنية فاعلة. وهى لا تعني المسامحة أو العفو او الاعتذار ولكن التسوية والوفاق. فالمصالحة الوطنية مشروع متكامل وليست بند في خطاب سياسي نخبوي، وهى أهم خطوة لارساء الديمقراطية واعادة بناء الدولة.
وأضافت سوزان عاشور، إنه كان الأجدر بالحكومة الانتقالية تحقيق مشروع متكامل، تتلاقى فيه مختلف الأطراف، وفق مفهوم واحد ورؤية موحدة تشمل مشاركة الجميع ومحاسبة الجميع جنائيا وليس وفق انتماءاتهم السياسية، وهذا لن يتأتي الا وفق قانون العدالة الانتقالية، لتحقيق كل هذه الاشتراطات.
وبخصوص قضية التعويضات، قالت عاشور، إنها مطلب شعبي حقيقي للتصالح، وهذا يتأتي عبر قانون العدالة الانتقالية، وان يعامل الجميع وفق سلوكهم الجنائي، ويعالج كل ما ترتب معنويا وماديا، من خلال النظر في مخلفات الصراع، والتعويض وإعادة التاهيل وضمان الا تتكرر الانتهاكات، ويتم الاتفاق على مفهوم التعويضات من قبل الجميع.
قائلة: إن تحقيق المصالحة الوطنية بند مهم وأولوية رئيسية على عمل الحكومة الموجودة حاليا والتي تعتبر حكومة أزمة في المقام الأول.
وفي الوقت الذي يرفع فيه مئات الآلاف من الليبيين مطالب المصالحة اللوطنية واضحة لا يختلف عليها اثنان، بوقف التعذيب والحبس والقتل، واخراج المعتقلين من السجون وتفعيل قانون العفو العام وانهاء العزل السايسي.
يتذكر ملايين الليبيين، الدور الوطني المشهود الذي بذله د. سيف الإسلام القذافي، الفترة الماضية في تعزيز جهود المصالحة الوطنية، حتى قبل ان تنشا فكرة تشكيل مفوضية خاصة لها.
فقبل شهور قليلة، نجح، الدكتور سيف الإسلام معمر القذافي في إتمام المصالحة بن عائلتي الدواقل والجطالوة، وقد كان عداءًا مريعًا على مدى سنوات يعاني بسببه عشرات الألاف من الليبيين.
وهو ما أشاد به مختلف أبناء الشعب الليبي في حينه، وقال عضو الأمانة العامة لمؤتمر أنصار النظام الجماهيري والقوى الوطنية، حسن المبروك يونس، إن ما فعله الدكتور سيف الإسلام القذافي، في إتمام المصالحة بن عائلتي الدواقل والجطالوة شيء طبيعي لثقله ودوره الكبير هو عائلته في ليبيا.
وأوضح المبروك، أن الدكتور سيف الإسلام، يسعى لصالح ليبيا من منطلق دوره الوطني الساعي للملمة الشمل وإنهاء الانقسام والتشظي الموجود حاليا في البلاد. لاسيما أنه يبتغي صالح البلاد وبعيد كل البعد عن المصالح الشخصية الضيقة.
وأوضح أن دور سيف الإسلام لا يتلخص فقط في المصالحة بين عائلتين أو قبيلتين، بل يتعداه إلى لم شمل جموع الليبيين على كلمة واحدة وإنهاء الانقسام في البلاد وتوحيدها حتى تعود إلى دورها الرائد والمعهود قبل نكبة فبراير عام 2011، مؤكدا أنه الوحيد القادر على لم شمل الليبيين.
وشدد رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان، علي مصباح أبو سبيحة، على دور الدكتور سيف الإسلام القذافي، في الصلح بين عائلتي الدواقل والجطالوة في سبها. وأردف ان دوره الأسمي والمحوري في المصالحة الشاملة على مستوى الوطن.
والخلاصة.. تأسيس مفوضية للمصالحة الوطنية، بداية للم شمل الليبيين داخل الوطن، ولابد أن تتبع بقرارات تنفيذية وبرلمانية معززة لها على أرض الواقع.