أثارت الزيارة التي قام بها وزراء خارجية ثلاث دول أوروبية كبرى، فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى ليبيا ولقائهم عبد الحميد الدبيبة، رئيس وزراء الحكومة المؤقتة، أسئلة كبيرة حول دوافع وأغراض هذه الزيارة وعما إذا كانت تمثل منعطفا جديدا في السياسة الأوروبية تجاه ليبيا خلال الفترة القادمة.
وقال مراقبون، إن التصريحات التي خرجت من الزيارة عبر وزراء الخارجية الثلاث والاتصالات الأوروبية المكثفة بليبيا خلال الفترة الماضية، وبعد حصول حكومة الدبيبة على الثقة من البرلمان الليبي، تؤكد أن أوروبا تُخطط لتحقيق شيئين مهمين الفترة القادمة:
أولها حجز مكان في “الكعكة الليبية وإعادة الإعمار وقد جاء هذا بالتصريح علنا خلال الزيارة وبيان حكومة الدبيبة.
فأوروبا تريد أن تستفيد من الثروات الليبية، ولا تريد أن تنفرد دول اخرى موجودة في ليبيا بهذه الثروات وعقود اعادة الاعمار في المستقبل، وفي مقدمتها تركيا وروسيا.
في الوقت نفسه فإن توافد وزراء خارجية أوروبا على ليبيا، يأتي للضغط في إطار خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا وهو ما يُحقق لأوروبا جزء من الاطمئنان تجاه ما يجري على سواحلها الجنوبية.
من جانبه أكد السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إن استمرار التقدم السياسي في ليبيا، والذي سيتوج بالانتخابات يمكن أن يؤدي إلى استثمارات أمريكية ودولية.
وأعرب نور لاند في بيان عبر صفحة السفارة الأمريكية، عن تطلع الولايات المتحدة للعمل مع الدبيبة للتباحث حول طرق زيادة المساهمة التي يمكن أن يقدمها الاستثمار الأمريكي لتحسين حياة الليبيين.
يأتي هذا فيما قال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن “الاتحاد” مستعد لتكثيف تعاونه مع الحكومة الليبية الجديدة وتقديم الدعم لها حسب احتياجاتها وأولوياتها. واقترح على الدبيبة العمل معًا في المجالات التي يمكن للتكتل الأوروبي الموحد أن يوفر فيها مهارات مهمة، مثل بناء المؤسسات، الحوكمة الاقتصادية، التحضير للانتخابات المقبلة 2021.
وفي إطار الفرصة المتاحة، قال وزير إيطالي سابق، إن ترك ليبيا وشأنها اليوم خطيئة لا تغتفر، والأمر بأيدي أوروبا التي تشهد وئاماً متجدداً عبر الأطلسي، لدعم الحكومة الليبية الجديدة، وبالتالي الإسهام بإعادة تصميم نظام جديد لمنطقة المتوسط.
وعلق وزير الداخلية الايطالي الأسبق ماركو مينيتي، أن لدى الاتحاد الأوروبي واجب سياسي في مجال تقديم خطة لإعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي لليبيا.
وأضاف مينيتي، إن الأمر يتعلق بخطة تعيد نشاط إنتاج الطاقة التقليدي إلى العمل بطاقته الكاملة واقتراح مشروعًا لاستخدام المصادر المتجددة، وهي خطة تشمل دول شمال إفريقيا المتاخمة لليبيا أيضا. والعمل على تبني “ميثاق جديد”، لإدارة تدفقات الهجرة، في ظل احترام حقوق الإنسان، يقوم على فتح وتعزيز قنوات الحقوق الإنسانية والقانونية والالتزام الواضح بمكافحة نشاط الاتجار بالبشر.
وقال مينيتي بوضوح، إنها مسألة تعتمد على التحرك بسرعة، لأن الفرصة الليبية غير المتوقعة المتمثلة بحكومة الدبيبة، إذا فشلت فإنها ستؤدي حتماً إلى تقسيم ليبيا إلى مناطق نفوذ، ما سيمثل “انتكاسة دراماتيكية لأوروبا” بأكملها على حد قوله.
وفي الوقت الذي أعرب وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، عن استعداد روما للتعاون مع حكومة الوحدة المؤقتة، مؤكدًا دعم الاتحاد الأوروبي لمسار الاستقرار في ليبيا. عبر دي مايو، عن ارتياحه لإعادة فتح تصدير النفط الليبي بعد إغلاقه لفترة طويلة، مطالبًا بضرورة وقف إطلاق النار وفتح الطريق بين سرت ومصراتة وخروج كل المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا.
وأكد بيان لحكومة الوحدة المؤقتة، تفاصيل وأغراض الزيارة، مؤكدا أن الوفد الاوروبي، أكد حرص البلدان الثلاثة، على ترسيخ الاستقرار في ليبيا لما له من أهمية بالغة في استقرار دول الجوار وحوض البحر المتوسط، وأوضحوا أن زيارتهم تشكل رسالة أوروبية موحدة .
وكشف البيان تطرق اللقاء، إلى عدة ملفات وعلى رأسها إرساء قواعد للتعاون المشترك وعودة للشركات الأوروبية لاستكمال مشاريعها المتوقفة في ليبيا وكذلك عودة شركات الطيران من وإلى ليبيا، بالإضافة إلى تعزيز التواجد الدبلوماسي في العاصمة طرابلس، ومعالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية كونها مسؤولية تضامنية بين ضفتي المتوسط على حد قول البيان.
ويرى خبراء، أن زيارة وفد وزراء الخارجية الأوروبيين هامة، لكنها تحتاج من أوروبا “كلمة سواء” فيما يخص الأوضاع في ليبيا، ليس فقط في مجال اخراج المرتزقة ولكن في التصدي لجائحة كورونا، والعمل بقوة وبشكل عملي على انطلاق الانتخابات الليبية المقبلة في 24 ديسمبر 2021 لأنها الأمل الحقيقي لليبيين في الاستقرار وانتخاب قيادة وطنية حقيقية للبلاد بعد سنوات من الدمار والفوضى في أعقاب نكبة 2011.