الخبير الاقتصادي محمد أبو سنينة يؤكد ان دفعة قوية من الاستثمارات كفيلة خلق نمو متوازن في كافة القطاعات
قال الخبير الاقتصادي محمد أبو سنينة ان الاقتصاد الليبي عانى على مدى السنوات العشر الماضية تراجعا ملحوظا في النشاط الاقتصادي العام والخاص على حد سواء ، نتيجة لما تعرضت له البلاد من نزاعات وحروب وانقسام مؤسسات الدولة .
واكد في مقال له ان الصدمة الأكبر على الاقتصاد كانت في تدبدب معدلات استخراج وتصدير النفط وتدني أسعاره من فترة إلى اخرى نتيجة للطبيعة الريعية للاقتصاد؛ بل أن تصدير النفط شهد توقفا كاملا وانحسرت ايراداته إلى أدنى المستويات أثناء ماعرف بأزمة الهلال النفطي ، حيث قدرت الخسائر المترتبة على ذلك باكثر من 130 مليار دولار .
وكشف في مقاله انه وبالرغم من حجم الانفاق العام الكبير الذي تم خلال الفترة (2012 – 2019 ) في شكل ميزانيات عامة وترتيبات مالية سنوية ، تجاوز مجموعها 300 مليار دينار ، مول جلها بالدين العام ، إلا أن معظم هذا الإنفاق كان انفاقاً استهلاكيا في شكل مرتبات واجور ودعم ومصروفات تسييرية لا تتصف بالكفاءة ولم تتحسن في ظلها الخدمات العامة ، ولم تزداد معها معدلات تشغيل القوة العاملة باستثناء القطاع العام ، ولم تنعكس بشكل ايجابي على الاقتصاد الوطني او تحسّن مستوى معيشة المواطن ، ولم تكن داعمة للنمو الاقتصادي، بل أن معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي تراجعت على نحو غير مسبوق ، وكانت في بعض السنوات سالبة .
وقد عزز هذا التدني في معدلات النمو الاقتصادي والتراجع الكبير في النشاطات الاقتصادية ، الخدمية و الانتاجية – الفساد الإداري والمالي في معظم القطاعات وفي مختلف المجالات وعلى النحو الوارد بالتقارير السنوية لديوان المحاسبة .
واوضح ان الوضع الاقتصادي قد انتهى إلى حالة من الركود التضخمي حيت ارتفعت معدلات البطالة مصحوبة بتضخم المستوى العام للأسعار، وكانت معدلات التضخم في بعض السنوات ذات حدين سجلت نسباً وصلت 19%، كما تأثرت أساسات الإقتصاد الكلي ، وظهرت الكتير من المشاكل كالعجز في الميزانية العامة للدولة والعجز في ميزان المدفوعات وارتفاع سعر صرف النقد الاجنبي في السوق السوداء وارتفاع معدلات البطالة .
وبين استفحال الدين العام المحلى ، الذي تجاوزت نسبته 260% من الناتج المحلى الاجمالي ، وتجاوز اجمالي الالتزامات القائمة على الخزانة العامة ، بما في ذلك الدين العام المصرفي ،مانسبته 500% من الناتج المحلي الاجمالي، وقد تنامى القطاع غير الرسمي بالاقتصاد ، الذي وجد البيئة المناسبة ، حيت يقدّر حجم نشاطه بحوالي 70 % من الناتج المحلي الاجمالي .
وقال إن حالة الإجهاد والاستنزاف التي تعرض لها الاقتصاد الوطني ، في اطار ما عرف باقتصاد الحرب ، والعجز في الموارد السيادية وتراجع معدلات تكوين راس المال الثابت ، واستحواذ الانفاق الاستهلاكي على معظم مخصصات الميزانية العامة للدولة ، وتراجع الانفاق التنموي ، نتيجة لاضمحلال الادخار الكلي ، وتدني معدلات الانتاجية القطاعية والكفاءة الحدية لراس المال ، يتطلب القيام بدفعة قوية من الاستثمارات لخلق نمو متوازن في كافة القطاعات ، من خلال تبني مجموعة من التدابير المالية لانتشال الاقتصاد من حالة الركود والترهل وتحقيق التعافي المطلوب ومدى سرعته ، في اطار رؤية متكاملة لاعادة هيكلة الاقتصاد ، واضحة المعالم والاهداف ، ووفقاً لاطار زمنى محدد على المدى القصير والمتوسط والطويل ، يبدا مع الحكومة الجديدة ( حكومة الوحدة المؤقتة ) وتستكمله الحكومة الراتبة بعد انجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المعلن عنها ودون الحاجة إلى الخوض في الإطار النظري لنظرية الدفعة القوية في التنمية الاقتصادية التي طرحها روزنشتاين رودان والتي لا يتسع المقام لعرض الأدبيات الاقتصادية حولها.
واوضح ان تراجع موشرات التنمية الاقتصادية بشكل عام ، وتوقف النمو الاقتصادي الحقيقي في ليبيا ، خلال العشرة سنوات الماضية ، كانت كافية لتوفير الشروط الضرورية للجوء الى الدفعة القوية لانقاذ الاقتصاد الوطني واستئناف جهود التنمية، كل ذلك بهدف احدات التنوع المطلوب في مصادر الدخل من خلال ايجاد مصادر بديلة للدخل المتأتي من تصدير النفط ، والتخلص من العيوب والتشوهات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالطبيعة الريعية للاقتصاد ، من منظور نظام اقتصادي اجتماعي تلتزم فيه الدولة بتوفير الحماية الاجتماعية للمواطنين وتقديم الخدمات العامة التي يكفلها الدستور والتشريعات النافذة والمواثيق الدولية .
وان تعمل الحكومة كمراقب ومنظم للنشاط الاقتصادي ، وتسهر على توفير البيئة المناسبة لممارسة النشاط الاقتصادي الخاص ، ومنع الممارسات الاحتكارية ، وحماية المستهلك ، والقضاء على الفساد ، وتعزيز المنافسة والحوكمة الرشيدة وتتبلور على ضوء هذه الرؤية هوية الاقتصاد الليبي الكامنة والممكنة التي تدعمها المقومات والموارد الطبيعية والبشرية التي ينضوي عليها الاقتصاد الليبي والمزايا التنافسية التي يمتلكها وتكون الاداة الرئسية لسياسة الدفعة القوية تنفيد برامج استثمارية تنموية متكاملة في مختلف المجالات وفي مختلف مناطق البلاد لتعزيز دعائم الادارة المحلية والتنمية المكانية المتوازنة وبعت الحياة الاقتصادية من جديد ، بحيث يشترك في تنفيد مشروعات وبرامج هذه الدفعة القوية القطاع العام والقطاع الخاص “شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص” في المقام الاول ، والاستثمارات الاجنبية كلما كان ذلك ممكناً ، وكلاً حسب الدور والاهداف المحددة له في استراتيجية تحقيق الرؤية .
واوضح ان اللجوء الى الدفعة القوية لايعني بالضرورة اقرار ميزانيات عامة متضخمة ذات ارقام فلكية ، في ظل محدودية الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني ، بقدر ما يتطلب اعادة هيكلة الميزانية العامة للدولة ، الذي يشكل التحدي الحقيقي امام الحكومة ، بتوجيه جل الانفاق للاغراض التنموية ، والرفع من كفاءة صرف اعتمادات الميزانية العامة ، والالتزام بقواعد الميزانية العامة .
والجدير بالذكر أن الدعوة الى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل ، في اطار اعادة هيكلة الاقتصاد الوطني ، لاتعني باي حال من الاحوال ، كما يعتقد البعض ، اهمال قطاع النفط او عدم الاستثمار فيه ودعمه بميزانيات استثنائية ، بقدر ماتعني توجيه ايرادات النفط لتمويل الانفاق التنموي وخلق مصادر بديلة للدخل تغني عن الدخل المتولد من تصدير النفط ، عندما ينضب او تحل محله مصادر الطاقة البديلة .
وفي هذا الاطار على الحكومة تحديد اولويات الانفاق التنموي ، وتطوير وتبني نمودج اقتصادي لتخصيص الايرادات النفطية ، ضمانا لتحقيق الاهداف المرجوة من وراء سياسة الدفعة القوية وتقييم نتائجها وأن يكون القطاع المصرفي ، بعد اصلاحه واستعادة قدراته الوظيفية ودوره في الوساطة المالية، والذي يعتبر من مهام المصرف المركزي ، القاطرة التي تقود حركة النشاط الاقتصادي الداعم للنمو ، إذ لن تتمكن الحكومة من تحقيق اهدافها وبرامجها في ظل حالة الانفصام القائمة بين السياسة النقدية والسياسة المالية ، وغياب التوافق والانسجام بينهما . ومخطئ من يعتقد انه بامكان الحكومة أن تعمل بنجاح في وادٍ ويعمل المصرف المركزي في وادٍ آخر .