لا يزال ملف السجناء والمعتقلين في ليبيا من أبرز الملفات العالقة التي تواجه الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والتي تعهد ببحثها ومعالجتها وفقا للقواعد والقوانين والتشريعات المعمول بها.
يتشعب هذا الملف بين سجناء عليهم أحكام انتهت، وآخرين قضت المحكمة ببراءتهم ومع ذلك يقبعون داخل السجون، وفريق ثالث لم توجه لهم أي تهم، ناهيك عن المعتقلات التي تصنف خارج إطار القانون والدولة.
وأظهرت تقارير من الأمم المتحدة أن عدد السجناء والمحتجزين في ليبيا بلغ نحو 9 آلاف بينهم آلاف الموقوفين قيد التحقيق والمحاكمة لسنوات عديدة دون تمكينهم من الوصول للعدالة في ظل عدم قدرة الجهاز القضائي الليبي على العمل.
وتشير المصادر الأممية، وفق البيان، إلى أن من بين السجناء والموقوفين نحو 250 امرأة و60 طفلا، كما أن مئات من الموقوفين جاوزت فترات احتجاز بعضهم ما بين 3 و8 سنوات، وأن القرارات الصادرة عن كل من النيابة العامة والقضاء نادرا ما تجد طريقها للتنفيذ.
لا يقف الأمر عند هذا الحد، حيث تشهد مختلف المناطق في ليبيا وخاصة طرابلس عمليات خطف لسياسيين وقضاة وصحافيين وإعلاميين ومواطنين، وإلقائهم في غياهب السجون والمعتقلات، التي وصفت وفقا لروايات من دخلوها وعايشوها، بأنها عالم سري مخيف.
ولا ننسى عمليات الاستهداف الممنهج لأنصار النظام الجماهيري، حيث تتكرر عمليات اعتقالهم خاصة عند التعبير عن أي رأي لهم، كما حدث عن بناء بيت لعائلة القائد الشهيد معمر القذافي، حيث اعتقل الشباب الذين ظهروا في الصور ومقاطع الفيديو، وبالأمس القريب قام رجال البحث الجنائي التابع لعملية الكرامة بإلقاء القبض على عدد من الشبان بمدينة سرت بعد خروجهم فى وقفة احجاجية تطالب بإطلاق سراح المعتقلين والأسرى من السجون.
ومن بين ما يؤكد الاستهداف العمدي لأنصار النظام الجماهيري قتل 12 سجينا من المعتقلين المحسوبين على النظام الجماهيري، عقب الإفراج عنهم من قبل المحكمة في عام 2016.
التقارير الدولية ومقاطع الفيديو التي نشرتها منصات التواصل الاجتماعي، وتصريحات السجناء بعد خروجهم، تؤكد تعرض من يقبعون خلف القضبان في سجون مليشيات السراج إلى أبشع أنواع التعذيب، والحرمان من احتياجاتهم الأساسية، حيث يروي سجين سابق لدى المليشيات المسلحة المسؤولة عن سجون مصراتة، يدعى أحمد عمار، من تاورغاء، ما تذيقه المليشيات المسلحة للسجناء من سوء العذاب، وتعرضهم لمختلف أنواع العقاب، نفسيًا وبدنيًا، مشيرًا إلى تعرض بعض السجناء لحالات “اغتصاب ” من قبل تلك المليشيا دون رادع، ناهيك عن حرمان السجناء من أدنى متطلبات الحياة، فهي تمنع الطعام والماء، لساعات متواصلة.
وأشارت التقارير إلى أن المعتقلين يتعرضون للتعذيب الشديد خاصة في بداية احتجازهم وأثناء الاستجواب، لانتزاع اعترافات أو معلومات منهم، ومعاقبتهم على ارتكاب جرائم مزعومة، بحسب سجناء سابقين، أفادوا بأنهم نقلوا من مكان احتجازهم الاعتيادي إلى مراكز أخرى لاستجوابهم وتعذيبهم.
وقالوا إن من بين أساليب التعذيب الأكثر شيوعاً وتوثيقاً، الضرب على الرأس والجسم بأدوات مختلفة، بما في ذلك القضبان المعدنية وأنابيب المياه وأعقاب البنادق والجلد على باطن القدمين، والركل واللكم، والتعليق وإبقائهم في أوضاع مجهدة لفترات طويلة من الزمن والصعق الكهربائي والحرق بالسجائر أو القضبان الساخنة وغيرها من أساليب التعذيب الأخرى.
وأظهر تقرير قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى مجلس الأمن منتصف يناير انتشار الأمراض بين السجناء، وخاصة الأمراض المعدية والسارية، مثل داء السل والجرب، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والتهاب الكبد، بزيادة كبيرة، إضافة إلى تفشي وباء كورونا مؤخرا.
وفي هذا الصدد أعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان وفرعها في ليبيا عن قلقهما إزاء أوضاع السجناء والموقوفين والمحتجزين في ليبيا في ظل تفشي فيروس كورونا بالبلاد، مؤكدة أن مراكز الاحتجاز في ليبيا تعاني من تكدس هائل يتجاوز طاقاتها الاستيعابية، وتفتقد للشروط المعيشية المناسبة، ولا يتوافر بها إمكانيات الرعاية الصحية.
اكتظاظ السجون وانتشار وباء كورونا كان موضع استغلال من المسؤولين في حكومة الوفاق غير الشرعية، حيث تم إخلاء سبيل 1347 موقوفا، ولكن مصادر بوزارة العدل كشفت أن “المئات من المفرج عنهم ضمن التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا إرهابيون جندتهم حكومة الوفاق لتعويض خسائرها في معركة طرابلس”، مؤكدة أن هذه الصفقة ليست الأولى ولكن الجديد بشأنها كثرة عدد المفرج عنهم من الإرهابيين.
وذكرت المصادر أن سجن معيتيقة الذي يحوي أكثر من 12 ألف نزيل جلهم متهمون بقضايا الإرهاب والقتل أفرج عن أعداد كبيرة منهم على دفعات وتم ضمهم إلى صفوف المليشيات.
هكذا يبدو ملف السجون والمعتقلات في ليبيا.. المنتظر اليوم هو إيجاد حلول لهذه المشكلات المتفرعة، وكشف الجرائم المتعلقة بها ومحاسبة المتورطين.