انتقد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الليبي، الدكتور مصطفى الفيتوري، دور الأمم المتحدة في الصراع الداخلي في ليبيا، مؤكدًا أنها شاركت فيه منذ البداية، حيث جاء تدخلها بصفتها الهيئة الدولية المنوط بها السلام العالمي والأمن والوساطة في النزاعات في جميع أنحاء العالم، على عجل إلى حد ما وغير حكيم منذ اليوم الأول.
واضاف، في مقال له بصحيفة “ميدل إيست مونيتور” البريطانية، طالعته “أوج”، أن الأمم المتحدة على مر السنين، أصبحت جزءًا من الصراع، بدلاً من أن تكون الوسيط المعتاد المحايد والمقبول على نطاق واسع من قبل جميع الأطراف المحلية، كما ينبغي أن يكون.
وأوضح أنه بعد 11 يومًا فقط من بداية التمرد في ليبيا إبان نكبة فبراير ضمن مؤامرة الناتو لإسقاط القائد الشهيد معمر القذافي 2011م، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1970، “الذي يفرض حظرًا على الأسلحة ويحيل القذافي وابنه ورئيس مخابراته إلى المحكمة الجنائية الدولية”، مضيفا “لا تزال الأمم المتحدة لا تعرف الحقائق حول ما حدث بالفعل”.
وكشف أن قوى الأمم المتحدة الرئيسية أرادت خروج القذافي باسم إنفاذ قرارات الأمم المتحدة ضد حكومته، مضيفا: “لقد كان خطأ كبيرًا من جانب الأمم المتحدة أن تنحاز إلى جانب واحد في الصراع الداخلي في البلاد، لكن الأمم المتحدة كانت تمضي قدمًا، مبنية على خطأها وتورطت بشكل أعمق في الفوضى الليبية دون أي استراتيجية خروج واضحة، ناهيك عن حل دائم”.
وأضاف أنه عندما تمكنت الميليشيات بفضل حملة القصف الجوي المكثفة لحلف شمال الأطلسي، في الفاتح/سبتمبر 2011م، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2009، بإنشاء بعثة الدعم في ليبيا دون الكثير من استراتيجية مدروسة، معلقًا: “لقد كانت محاولة فاشلة لإنشاء ليبيا ديمقراطية وسلمية”.
وذكر أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلصوا إلى أن الانتخابات السريعة ستكون أفضل حل لليبيا ويجب إجراؤها في أقرب وقت ممكن، مشيرًا إلى أن الانتخابات جرت في الصيف/يونيو 2012م، لكن تم نسيان المصالحة كأساس لمستقبل ليبيا.
وأكد أن ما كانت تحتاجه ليبيا آنذاك هو حكومة انتقالية لمدة عام آخر على الأقل لجمع الأسلحة وتفكيك الميليشيات وإطلاق عملية مصالحة وطنية قبل أي انتخابات، مضيفا “من الواضح أن العربة هنا أمام الحصان”.
وأردف: “بشكل غير مباشر، ساعدت هذه الميليشيات على الحفاظ على النفوذ، مما أعاق أي عملية ديمقراطية سلمية في المستقبل”.
وأشار إلى أنه بحلول نهاية عام 2011م، أصدر مجلس الأمن الدولي ستة قرارات بشأن ليبيا، لكن لم يتم تعزيز أي منها بما يكفي لمعالجة القضايا الحاسمة المتعلقة بالمصالحة الوطنية ونزع سلاح الميليشيات، وفي الخلفية، لم يتوقف القتال في البلاد أبدًا، لكن الحرب كانت لا مركزية على مستوى المدينة والقبلية مع القليل من التقارير الإعلامية السائدة.
وتابع بأنه في التمور/أكتوبر 2012م، أجبرت الميليشيات المسلحة البرلمان المنتخب على التصويت بغزو بني وليد، ونزح أكثر من 60 ألف شخص، مع سقوط مئات الضحايا المدنيين، فيما لم تستطع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا فعل الكثير، باستثناء مراقبة إراقة الدماء.
وبين أنه في السنوات اللاحقة، استمر تفويض بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في التوسع، ولمس كل جانب من جوانب الحياة والابتعاد بثبات عن هدفها السياسي الأصلي المتمثل في تحقيق الاستقرار في الدولة التي مزقتها الحرب ووضعها على المسار الصحيح نحو الديمقراطية.
وبحلول عام 2014، أصبحت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، برأيه، حكومة أمر واقع أكثر من كونها مهمة سياسية مساعدة، ودفعت باتجاه إجراء انتخابات تشريعية وطنية أخرى في بلد مقسم بدون دستور، وفشلت انتخابات الصيف/يونيو 2014م، في تحقيق أي فائز حاسم، مما أشعل فتيل حرب أخرى.
وبيّن أنه في 2014م، وأواخر 2015م، كان لليبيا سلطتان متنافستان هما الحكومة المعترف بها والمنتخبة من قبل الأمم المتحدة ومقرها البيضاء في الشرق، وحكومة طرابلس المعروفة باسم حكومة الإنقاذ الوطني، وكانت غطاء لعناصر عنيفة تنتمي إلى الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة المحظورة سابقا، بحسب الكاتب.
وتابع: “في الخلفية، واصلت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا جهودها لإخراج ليبيا من الظلام، لكن كل ما كان بإمكان هيئة الأمم المتحدة فعله حقًا هو محاولة المفاوضات، بينما كانت البلاد تغرق بالأسلحة، واكتسبت الميليشيات المحلية المزيد من الموارد، مما وسع سيطرتها”.
وفي الكانون/ديسمبر 2015م، قادت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مفاوضات نتج عنها الاتفاق السياسي الليبي وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، لافتا إلى أنه كان من المفترض أن تتولى حكومة الوفاق السلطة لمدة عامين كحد أقصى إذا وافق عليها البرلمان.
واستدرك: “لكن قبل حدوث أي من ذلك، ارتكب مجلس الأمن خطأ آخر بإصداره القرار 2259، بالاعتراف بحكومة الوفاق باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا وسحب اعترافه بالحكومة المنتخبة في البيضاء، رفض البرلمان حكومة الوفاق الوطني مرتين، لكنها لا تزال في السلطة حتى اليوم”.
وأكد أن هذا جعل المصالحة أكثر صعوبة، مما أدى إلى اندلاع حرب دموية أخرى أكثر تدميرا عندما أمر من أسماه “المنشق” خليفة حفتر، في الطير/أبريل 2019م، الجيش الليبي بمهاجمة طرابلس في محاولة لعزل حكومة الوفاق غير الشرعية.
ونوه بأنه بحلول ذلك الوقت، كانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا متورطة بالفعل بعمق في الشؤون الداخلية لليبيا، وأصبحت “نقطة انطلاق” لجميع أنواع المشاكل في بلد منهار.
وتابع: “قاد هذا الولايات المتحدة، وغيرها من أعضاء مجلس الأمن القومي، في عام 2019، لاقتراح تقسيم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى كيانين، أحدهما للقضايا الإنسانية والآخر للشواغل السياسية”.
ورأى أن هذا أضاف طبقة بيروقراطية أخرى غير ضرورية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مما أجبرها على زيادة مواردها البشرية والمالية دون فائدة تذكر لليبيا الذي من المفترض أن تساعده.
وأكد أن الأسوأ من ذلك، أنه في الحرث/نوفمبر الماضي، أنشأت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا هيئة جديدة غير دستورية وغير منتخبة هي منتدى الحوار السياسي الليبي المكونة من 75 عضوًا، موضحا أنها باستثناء عدد قليل، لا تتألف من مسؤولين منتخبين ولا يمثلون البلد، ورغم ذلك تتمتع بسلطة تسمية رئيس الوزراء والمجلس الرئاسي لليبيا، وهو ما فعلته في 5 النوار/فبراير، مشيرا إلى أنه يجب على الحكومة الحصول على الثقة في البرلمان.
وأبدى دهشته من أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أصدر في 9 النوار/فبراير، أصدر بياناً رحب فيه بهذا “الإنجاز”، كما حث السلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة على الموافقة على تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال: “لا يبدو أن أحدًا في كل من مجلس الأمن الدولي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يشير إلى أن هذا المسؤول التنفيذي المعين حديثًا لن يصبح تنفيذيًا مؤقتًا إلا بعد موافقة البرلمان عليه – وليس قبل ذلك – كما يشير بيان مجلس الأمن الدولي، مرة أخرى، تقوم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتجاوز أي إجراءات ديمقراطية واجبة”.
وأكد أن الأسوأ من ذلك، أنه إذا فشل البرلمان المنقسم في الموافقة على الحكومة الجديدة عند تشكيلها، فإن ملتقى الحوار يتمتع بالسلطة النهائية للموافقة عليها، كما تمليه وثيقة خارطة الطريق لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وهي الإطار المرجعي الوحيد.
واختتم بالقول: “ما هو غير واضح هو ماذا سيحدث إذا رفض ملتقى الحوار نفسه الحكومة، لا تذكر خارطة الطريق شيئًا عن مثل هذا الاحتمال، باستثناء أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا موجودة لتبقى”.