قبل 10 سنوات من الآن وبالتحديد قبل نكبة فبراير 2011، كان النظام الصحي في ليبيا، يُضرب به المثل في شمال أفريقيا وبين كافة الدول العربية.
حيث كان القطاع الصحي، الأفضل أفريقيا وذا مكانة بارزة عربيا. وكانت اغلب عناصر الكادر الصحي في ليبيا، من الأطباء والممرضين من الأجانب المشهود لهم بالكفاءة.. كان هذا قبل 10 سنوات.
لكن الان ووسط فوضى هائلة، لم تتوقف لحظة واحدة يدفع ثمنها الليبيون، انهار القطاع الصحي في ليبيا، مثله مثل باقي القطاعات الخدمية الأخرى، وأصبحت المؤشرات العالمية، التي ترصد تفشي الأوبئة والأمراض ودمار المستشفيات مؤشر بارز لمدى التدهور في قطاع الصحة وهو في ما ينعكس في النهاية على كافة الليبيين.
وفي مؤشر يُظهر مدى تفشي الفوضى، احتلت ليبيا المرتبة الرابعة في العالم، من حيث عدد هجمات المليشيات المسحلة على المرافق الطبية.
وأكد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة، للشؤون الإنسانية في ليبيا، أن المليشيات المسلحة في طرابلس وضعت مزيدًا من الضغوط على النظام الصحي المتعثر، بهجماتها المتعددة على المرافق الصحية. وأحصى التقرير، 32 هجومًا تم الإبلاغ عنها في 2020، في أنحاء متفرقة من العاصمة طرابلس.
وتابع مكتب الأمم المتحدة، للشؤون الإنسانية في ليبيا، أن الاعتداء المستمر من قبل الميليشيات المسلحة على المرافق الصحية والعاملين الصحيين، فضلا عن المدنيين الآخرين، يأتي بسبب استمرار انعدام الأمن وغياب سيادة القانون، وعدم احترام حقوق الإنسان.
وأجمل التقرير، أن تلك الممارسات الإجرامية، فضلا عن نقص العاملين وانقطاع التيار الكهربائي ونقص معدات الحماية الشخصية، أثرت جميعها على الوضع الصحي في ليبيا.
من جانبها علقت نقابة الأطباء الليبيين، بالقول: إن غياب الردع والملاحقة الأمنية والقانونية وعدم جدية الإجراءات التي تتخذ ضد الجناة، والذين يفلتون دائما من العقاب، جعل من الاعتداء على الأطقم الطبية مسلسلا مكررا، ما يعرض حياة الطبيب للخطر.
وشددت نقابة الأطباء، على أن المليشيات المسلحة تتجاوز سلطات القانون، وتعتدي على الأطقم الطبية وهم يقدمون خدماتهم الطبية لمن يحتاجون الرعاية الصحية، في ظل صمت واضح وفاضح!!
في سياق متصل، تعالت الصيحات من جانب المواطنين في الجنوب الليبي، يصرخون من انعدام الرعاية الصحية وتحول بعض مدن الجنوب إلى “مدن منكوبة”صحيا بمعنى الكلمة، لتفشي وباء كورونا وغيره وندرة وجود عناصر صحية.
وقد تحولت “بلدة برقن الشاطئ” بالجنوب إلى بلدة منكوبة صحيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وقال الناشط ناجي أمحمد من الشاطئ، أن أهالي منطقة برقن الشاطئ، يشكون من قلة الخدمات التي يوفرها المستشفى. مضيفا في تصريحات للعين، أن المستشفى أغلق أبوابه من فترة أسبوع ولم يعد أمام المواطن إلا أن يقطع مسافة 60 كيلو متر باتجاه براك الشاطئ لتلقي العلاج. وكشف أن أغلب الكوادر الموظفة في المستشفى من خارج المنطقة، وهو ما يجعلهم لا يحضرون، وإذا حضروا يقفلون في ساعات مبكرة نتيجة نقص الوقود في المنطقة.
وكشف الناشط المدني إبراهيم الزواي، أن غرف الإيواء والعزل في أغلب مستشفيات المنطقة، أصبحت تفتقر لأسطوانات الأكسجين، الأمر الذي يهدد حياة المصابين بفيروس كورونا والذين تفاقم عددهم، نتيجة التقصير من قبل وزارة الصحة التابعة لحكومة السراج.
ومن المأسي المروعة، أن تقول حكومة السراج انها انفقت ما قيمته نحو 500 مليون دولار للرعاية الصحية خلال الشهور الأخيرة ثم يكون الناتج صفر.
فقد نهبت الميزانيات، ولم تصل للمستشفيات، في الوقت الذي تفاقم فيه الوضع الصحي بسبب تفشي كورونا والذي تخطى عدد المصابين به نحو 105 الف مصاب في ليبيا وهو رقم ضخم للغاية مقارنة بعدد السكان.
والأمر لايقف عند فيروس كورونا، ولكن تخطاه إلى أمراض وبائية أخرى مثل الدرن والذي انتشر بدرجة لافتة خلال الفترة الاخيرة.
وكشف الاتحاد الأوروبي، انه قدم 3.3 مليون يورو لتعزيز مكافحة مرض الدرن في ليبيا، وذلك عبر مشروع مدته 18 شهرًا. وقالت منظمتا الصحة العالمية والدولية للهجرة، إن معدل الإصابة بالدرن في ليبيا آخذ في الازدياد،، واشارتا إلى تعرض النظام الصحي في ليبيا لاضرار فادحة بسبب الحرب الاهلية على مدى ال10 سنوات الماضية.
وتابع البيان الصادر عنهما، أن ليبيا معرضة بشكل خاص لخطر الأمراض المعدية مثل الدرن، إذ تستضيف أكثر من 570 ألف مهاجر؛ 39% منهم يعيشون في ظروف غير صحية وفي اكتظاظ شديد، وهذه احدى الأسباب.
وعلى مقربة من الاهمال والهجوم العصابات المسلحة عل المرافق الصحية وانتشارالأوبئة، تاتي المخلفات والنفايات لتضيف هما آخر لليبيين.
بعدما أكد المسؤول في الهيئة العامة للبيئة، عيسى غريبي إن النفايات الناتجة عن فحوص كورونا والوقاية منه وعلاج المصابين به، من التداعيات الكارثية المصاحبة لتفشي العدوى في ليبيا.
وأوضح غريبي، أن البنية التحتية للقطاع الصحي في البلاد تعاني من انهيار كبير، وأن البلاد تعاني من أزمة المخلفات الطبية. ولوضع اكثر خطورة مع تفشي فيروةس كورونا وهو ما يقتضي تدخلا عاجلا.
فيما كشف تقرير سابق، للمنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات، عن العديد من التحديات التي تواجه القطاع لصحي في ليبيا، في مقدمتها تهالك البنية التحتية لقطاع الصحة، وغياب الرؤية والافتقار إلى استراتيجيات ملائمة للنهوض بالقطاع، اضافة الى الفساد المتفشي في القطاع، والذي يجعله من أكثر القطاعات هدرا للأموال واستنزافا للمال العام وفسادا في منظومته الإدارية.
والمجمل وفق التقرير، وجود نحو مليونا مواطن ليبي، يحتاجون إلى خدمات صحية أساسية مثل أدوية الأنسولين واللقاحات وغسيل الكلي، وتزداد الفاجعة باغلاق نحو ثلثي مستشفيات البلاد، لكونها في وضع لا يؤهلها لتقديم خدماتها على أكمل وجه، بسبب مغادرة الأطقم الطبية الأجنبية وتدهور الوضع الأمني.
ورغم ما يتردد عن رصد نحو 6 مليارات دينار لقطاع الصحة سنويا، في الموازنة العامة، إلا ان أغلبها يذهب للمرتبات دون وجود أي عناية بالوضع الصحي ولا أركانه الأساسية، وهو ما أدى الى أن يصل حجم الإنفاق على العلاج في الخارج سنويا، إلى نحو 5 مليارات دولار وفق بعض التقديرات.