طرح المحلل الاقتصادي محمد أحمد في مقالة تحليلي السيناريوهات المحتملة للموازنة العامة بعد تعديل سعر صرف الدينار.
جاء ذلك في مقالة نشرها على صفحته الشخصية على فيسبوك تحت عنوان “الآثار البعيدة المدى على الموازنة العامة بعد تعديل سعر صرف الدينار: السيناريوهات المحتملة”
وجاء فيها:
يدور النقاش الحاد في الأوساط الاقتصادية والسياسية في ليبيا حول الاثار المحتملة لسعر الصرف على الاقتصاد الليبي، لاحظت أن معظم المراقبين والمحللين يركزون على الآثار المحتملة على المدى القريب بينما القليل منهم تناول الانعكاسات التي يمكن أن تحدث على المدى البعيد.
أحاول هنا في هذه المقالة أن أفتح بعض المواضيع للنقاش حول الآثار المحتملة في مدى عشر سنوات 2021-2030 بالتركيز على احتمالات ظهور العجز المالي أو التجاري أخذا في الاعتبار عوامل سعر النفط، الدخل المتوقع بالدينار، الموازنة الحكومية، الدين العام، الدعم، الفائض أو العجز.
حقيقة يجب على أن أشدد أني أقوم بهذا من منطلق النقد البناء لقضية تهم الرأي العام في بلدنا وأتشرف بكل رأي سواء كان موافقا معي أو يعارضني.
وبينما أنه مما لا شك أن تخفيض السعر الرسمي لقيمة الدينار ستمكن المصرف المركزي من توليد كميات أكبر من الدينار الليبي، مما سيزيح الكثير من العبء على الخزانة العامة في السنوات الأولى ألا أنه على المدى البعيد فأن على المصرف المركزي بالتعاون مع أجهزة الدولة الرسمية التحكم في الآثار السلبية التي قد يواجها هذا التغيير نتيجة ظهور عجز مالي أو تجاري قد يقود إلى خروج التضخم عن السيطرة وتدهور القوة الشرائية للعملة المحلية ومن ثم انخفاض مستوى المعيشة في البلد. في هذه المقالة حسبت سيناريوهات متعددة تتغير فيها العوامل المذكورة أعلاه محاولا الوصول إلى بعض الاستنتاجات الكمية.
السيناريو الأول: الاساس
سعر النفط: متصاعد وفقا لتوقعات السوق يبدأ من 50 دولار للبرميل سنة 2021 وينتهي بمعدل 75 دولار للبرميل في سنة 2030
الدخل الصافي للدولة هو نتيجة لتصدير كمية 1.2 مليون برميل يوميا مطروحا منها:
(قيمة الدعم 4 مليار دينار + مبلغ 15 مليار دينار لإطفاء الدين العام سنويا لمدة 8 سنوات + إنفاق حكومي يتزايد 20% سنويا)
تثبيت سعر الصرف عند 4.48 دينار/دولار لكل الفترة
وفقا للمعطيات السابقة يظهر العجز سنة 2026 بقيمة 10 مليار دينار ويرتفع إلى 103 مليار في سنة 2030
هنا لا تتحرك قيمة الدعم إلى أعلى لتعوض الانخفاض في قيمتها مقابل الدولار أي أن تثبت عند 4 مليار دينار ليبي مما يعني انخفاضها إلى 1 مليار دولار، وهذا يعني أن ترتفع أسعار السلع المدعومة ولكن ليس إلى حد إلغاء الدعم كاملا. مثال سعر البنزين هنا سيكون بين 0.5 إلى 1.0 دينار ليبي للتر وفقا لسعر النفط في السوق الدولية.
السيناريو الثاني: سعر صرف متحرك (متراجع) مع ارتفاع الدعم لتعويض انخفاض قيمته مقابل الدولار
سعر النفط: متصاعد وفقا لتوقعات السوق يبدأ من 50 دولار للبرميل سنة 2021 وينتهي بمعدل 75 دولار للبرميل في سنة 2030
الدخل الصافي للدولة هو نتيجة لتصدير كمية 1.2 مليون برميل يوميا مطروحا منها:
(قيمة الدعم 15 مليار دينار + مبلغ 15 مليار دينار لإطفاء الدين العام سنويا لمدة 8 سنوات + إنفاق حكومي يتزايد 20% سنويا)
سعر الصرف ينخفض من 4.48 دينار/دولار ليصل إلى 3 دينار/دولار ومن ثم يثبت لنهاية الفترة
وفقا للمعطيات السابقة يظهر العجز سنة 2023 بقيمة 9.9 مليار دينار ويرتفع إلى 163 مليار في سنة 2030 (بالدولار 2.2 و 54 مليار).
تجدر الإشارة أن هذا السيناريو هو أقرب السيناريوهات لتصريحات مسؤولي المصرف المركزي حول التخفيض الأخير في سعر الصرف الرسمي، قيمة الدعم هنا ترتفع وفقا لسعر الصرف الجديد لتثبت الأسعار المدعومة خصوصا المحروقات بقيمة 15 مليار دينار سنويا أو ما يتراوح بين 3.3 – 5 مليار دولار سنويا. سعر البنزين سيكون في هذا السيناريو بين 0.20 إلى 0.30 دينار ليبي وفقا لسعر النفط في السوق.
في نسخة أخرى لهذا السيناريو 2 (ب) يمكن إلغاء قيمة الدعم بحيث تكون قيمته “صفر” ووفقا لذلك فأن موعد ظهور العجز سيتأخر إلى 2024 وسيكون حوالي 18 مليار دينار أو 4 مليار دولار وسيتزايد إلى 148 مليار دينار في 2030 أو ما يعادل 49 مليار دولار.
السيناريو الثالث (أ): الإنتاج النفطي يتصاعد إلى 2.0 مليون برميل يوميا وأسعار نفطية متصاعدة
سعر النفط: متصاعد وفقا لتوقعات السوق يبدأ من 50 دولار للبرميل سنة 2021 وينتهي بمعدل 75 دولار للبرميل في سنة 2030
الدخل الصافي للدولة هو نتيجة لتصدير كمية 2.0 مليون برميل يوميا مطروحا منها:
(قيمة الدعم 15 مليار دينار + مبلغ 15 مليار دينار لإطفاء الدين العام سنويا لمدة 8 سنوات + إنفاق حكومي يتزايد 20% سنويا)
سعر الصرف ينخفض من 4.48 دينار/دولار ليصل إلى 3 دينار/دولار ومن ثم يثبت لنهاية الفترة
وفقا للمعطيات السابقة يظهر العجز سنة 2026 بقيمة 6.5 مليار دينار ويرتفع إلى 82.3 مليار في سنة 2030
السيناريو الثالث (ب): الإنتاج النفطي يتصاعد إلى 2.0 مليون برميل يوميا وأسعار نفطية منخفضة ثابتة
سعر النفط: يمتد بمعدل ثابت 50 دولار للبرميل لطول الفترة إلى سنة 2030
الدخل الصافي للدولة هو نتيجة لتصدير كمية 2.0 مليون برميل يوميا مطروحا منها:
(قيمة الدعم 15 مليار دينار + مبلغ 15 مليار دينار لإطفاء الدين العام سنويا لمدة 8 سنوات + إنفاق حكومي يتزايد 20% سنويا)
سعر الصرف ينخفض من 4.48 دينار/دولار ليصل إلى 3 دينار/دولار ومن ثم يثبت لنهاية الفترة
وفقا للمعطيات السابقة يظهر العجز سنة 2026 بقيمة 6.5 مليار دينار ويرتفع إلى 82.3 مليار في سنة 2030
السيناريو الثالث (جـ): الإنتاج النفطي يتصاعد إلى 2.0 مليون برميل يوميا وأسعار نفطية منخفضة ثابتة ولكن إنفاق حكومي يرتفع 10% سنويا
سعر النفط: يمتد بمعدل 50 دولار للبرميل لطول الفترة إلى سنة 2030
الدخل الصافي للدولة هو نتيجة لتصدير كمية 2.0 مليون برميل يوميا مطروحا منها:
(قيمة الدعم 15 مليار دينار + مبلغ 15 مليار دينار لإطفاء الدين العام سنويا لمدة 8 سنوات + إنفاق حكومي يتزايد 10% سنويا)
سعر الصرف ينخفض من 4.48 دينار/دولار ليصل إلى 3 دينار/دولار ومن ثم يثبت لنهاية الفترة
وفقا للمعطيات السابقة لا يظهر عجز إلى نهاية الفترة سنة 2030
النتائج والخلاصة:
أولا: أن جميع السيناريوهات تشير إلى صعوبة في الاستدامة المالية حتى سنة 2030 بدون تحقيق عجز كبير، باستثناء السيناريو 3 جـ الذي تستطيع فيه الدولة رفع الإنتاج النفطي بمعدل 2 مليون برميل يوميا مع الضغط على الانفاق العام بحيث لا يرتفع تزايده السنوي عن معدل 10%.
ثانيا: بالرغم من شدة الجدل حول مبلغ الدعم ألا أن إلغاءه بالكامل لن يؤخر ظهور العجز سوى لسنة واحدة فقط. من ناحية مالية هذا سيضيف 15 مليار فرق سنوي للحكومة لتخفيض العجز المالي الذي سيظهر بعد ذلك ولكن المشكلة الأساسية هي نتيجة انخفاض الإنتاج النفطي حتى مع افتراض ارتفاع في أسعار النفط.
ثالثا: يبدو من جميع السيناريوهات أن التحكم في الانفاق الحكومي سيكون هو أكبر مشكلة تواجه الاستقرار المالي للدولة
رابعا: بالرغم من أهمية التنوع الاقتصادي بعيدا عن مصدر وحيد للدخل يبدو أن المرحلة القادمة ستحتاج إلى توظيف جزء كبير من الموارد لرفع طاقة الإنتاج النفطي إلى ما لا يقل عن 2 مليون برميل يوميا.
خامسا: سعر النفط سيكون عاملا حاسما في تحقيق الاستقرار المالي، في السيناريوهات المذكورة تم اعتماد التوقعات الحالية التي تشير إلى ارتفاع تدريجي نحو 70 دولار للبرميل في نهاية العقد القادم أي 2030، ومع هذا لا يمكن استثناء صدمات أما للأعلى أو للأسفل. تم اتخاذ سعر 50 دولار للبرميل للفترة كلها لدراسة أسوء السيناريوهات worst case scenario، مع هذا فأن تم التحكم في الانفاق الحكومي يمكن أن يستمر التوازن حتى في بيئة أسعار منخفضة كما هو ممثل في سيناريو 3 جـ.