مأساة لوكربي.. ابتزاز الشعب الليبي من جديد ومحاولة القفز على الأموال المجمدة بالخارج
لم يسبق أن عوقب شعب على وجه الأرض بمثل هذه الضراوة والحقد على جريمة لم يرتكبها مثل الشعب الليبي في قضية لوكربي.
وبالرغم أن القضية، قد تم إقفالها “مدنيا وقانونيا” وتحملت ليبيا دفع التعويضات للضحايا دون الإقرار بالمسؤولية، لبدء حياة جديدة والتخلص من العقوبات الظالمة، التي فرضت عليها سنوات طويلة وحظر السفر. ما كبد الاقتصاد الليبي خسارة فادحة وعانى منه ملايين الليبيين. الا أن الولايات المتحدة لا تأبي الا ان تفتح “نافذة لوكربي” من جديد عبر توجيه الاتهامات لشخصيات ليبية جديدة.
وما يثير الاستياء والتقزز، من التصرفات الاستعمارية البغيضة التي تجدد بها واشنطن تدخلاتها في ليبيا. وكأنه لم يكفهم ما تعرض له الوطن من نكبة هائلة منذ فبراير 2011 وحتى الآن وانفراط عقد الوطن تماما. واستمرار نهب ثرواته وخيراته وعقاب الملايين من أهله عبر حكومات عميلة وميليشيات متسلطة استنادا لهذه المزاعم حول الحريات وحماية المدنيين.
وجاء اعلان المدعي العام الأمريكي، وزير العدل، وليام بار توجيه لائحة الاتهام الجديدة ضد مواطن ليبي، يدعى أبو عجيلة مسعود في قضية لوكربي – في يوم الذكرى الـ 32 للتفجير المشؤوم، ليجدد الأسئلة حول مدى تحمل الدولة الليبية هذا التسلط الاستعماري الجديد من جانب أمريكا؟
وبالنسبة للكثيرين من الليبيين وكما يقول مراقبون، فإن “لوكربي” كما هى مأساوية للعائلات التي فقدت ذويها عندما انفجرت رحلة بان آم 103 فوق لوكربي في 21 ديسمبر 1988.
فإنها أكثر مأساوية وبشاعة للملايين الذين عانوا من هذه القضية “المختلقة” والظالمة ضد ليبيا، خصوصا وان كل الأدلة كانت تشير إلى ايران وجماعة فلسطينية مرتبطة بها. إلا أن المحققين الأمريكان كانوا يدفعون في طريق تحريفها وإدانتها لليبيا ظلما.
وهو ما أكده ضابط الاستبخبارات الأمريكية، جيم هولت، الذي كان مسؤولا عن العميل “جعاكه”، وقال ان المحققين استندوا لشهادة العميل رغم أنه لم يكون موثوقا فيه واستبعدوه من الادلاء بشهادته.
وفي مقال له عن الروايات الأمريكية الجديدة في قضية لوكربي، قال الصحفي مصطفى الفيتوري، في مقال نشرته صحيفة “ذا ناشونال”، أن الليبيين اليوم وبعد ادعاءات بار، يشاركون ضحايا لوكربي معاناتهم. في البحث عن الحقيقة لأنهم مثل العديد منهم، لم يصدقون أبدًا الرواية البريطانية الأمريكية “الرسمية” لما حدث.
والراحل عبد الباسط المقرحي، بالنسبة لغالبية الليبيين، هو مجرد ضحية أخرى للفظائع على رأس 270 آخرين من الأبرياء الذين لقوا حتفهم في تلك الليلة. علاوة على ذلك، أعتقد أن جميع سكان ليبيا، بين عامي 1998 و 1991، يجب اعتبارهم ضحايا في تلك الفترة، وتحت ضغط من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بعدما فرضت الأمم المتحدة آنذاك حظرًا اقتصاديًا وحظرًا شديدًا على السفر يحظر السفر جواً من وإلى ليبيا.
وقال الفيتوري، إن بلادنا دفعت 2.7 مليار دولار لتسوية القضية. وقبلت نتيجة محاكمة كامب زيست التي أدانت عبد الباسط المقرحي.
وكانت الفكرة أن تسوية قضية لوكربي، بالاتفاق المتبادل مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، من شأنها أن تساعد في إغلاق الأمر، رغم ان لييا ليست مسؤولة عنها.
لكن اختارت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ليس فقط الاستمرار في إخفاء الحقيقة حول ما حدث في لوكربي، ولكنهما خاضتا حربًا ضد ليبيا في عام 2011 بحجة حماية مدنيين وسقطت الدولة الليبية.
وتابع الفيتوري، والنتيجة مأساة أخرى نعيشها في ليبيا. ففي يوم من الأيام كانت ليبيا دولة آمنة ومزدهرة، تحولت بعد عام 2011 إلى غابة حيث الناس فقراء ويصعب تحقيق الأمن. فنحن في ليبيا نعيش في أسوأ بلد فوضوي يمكن تخيله في العالم.
مؤكدا أن القضية لم تعد المقرحي ولا القائد الشهيد معمر القذافي ولكن انعدام الثقة تماما في الولايات المتحدة الأمريكية عندما تفتح ملف لوكربي من جديد.
وشكك خبراء في الأهداف الحقيقية، وراء قيام الولايات المتحدة الامريكية بأعادة فتح تفجير طائرة لوكربي، واعتبروها ورقة ضغط تمارسها واشنطن على الليبيين لتمرير ملفات معينة.
وعلق المحلل السياسي، عبد المنعم اليسير، بأن حالة الضعف التي تمر بها ليبيا حاليا جعلتها هدفًا لأي فرصة للابتزاز، مشيرًا إلى أطراف – لم يسمها- تريد تحقيق مكاسب عن طريق إعادة فتح القضية.وأضاف “لوكربي” كانت سياسية ولم تكن قانونية، واصفًا الأدلة التي تم تقديمها لاضد المتهمين بأنها “مضحكة ولا ترتقي إلى حتى مستوى الاتهام وليس الإدانة” وفق تصريحاته لـ”العين”.
ووصف الخبير السياسي، محمد زبيدة، إعادة فتح القضية من جديد، بأنه”ابتزازا” أكثر منه عملا قانونيا، مشيرًا إلى أن الملف أغلق في السابق، وقامت ليبيا بدفع التعويضات وانتهى الأمر.
وأعلنت ليبيا في أغسطس 2003، على دفع ما يصل إلى 10 ملايين دولار لكل أسرة من أسر ضحايا لوكربي.
ونص الاتفاق الذي أبرمته طرابلس مع بريطانيا والولايات المتحدة على أن تدفع ليبيا أربعة ملايين دولار بشكل مبدئي لكل أسرة بمجرد رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، يلي ذلك دفعة أخرى مساوية القدر عندما تسقط الولايات المتحدة عقوباتها ضد طرابلس، ثم دفعة أخيرة قدرها مليونا دولار لكل أسرة عندما تزيل واشنطن اسم ليبيا من قائمة الدول الراعية للإرهاب ووصلت التعويضات الى نحو 2.7 مليار دولار.
وأضاف محمد زبيدة، أن إعادة فتح القضية ربنا يكون مرتبطا برفع القيود عن الاموال الليبية المجمدة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. فالدولتان تريدان استمرار وضع اليد خصوصا وأن هناك أموالا ليبية طائلة هناك تصل الى نحو 12 مليار جنيه استرليني بفوائدها في بريطانيا وحدا.
وتساءل عامر أنور، محامي عائلة المتهم الرئيسي في قضية لوكربي عبد الباسط المقرحي، عن صمت المدعي العام الأمريكي (وزير العدل الأمريكي الحالي وليام بار) الذي وجه التهم إلى موكله عام 1991، طوال تلك المدة، رغم علمه باسم شخصية أبو عجيلة مسعود وفق المزاعم.
وقال أنور أن نجاحه وفريقه في قبول طلب الاستئناف على الحكم الصادر بحق المقرحي سيدعم ويقوي الموقف القانوني لأي متهم آخر بالقضية.
وبعد فإعادة فتح “لوكربي” من جديد ليس فقط استدعاء لجريمة مزورة ضد الوطن. ولكن ابتزاز رخيص من قوى استعمارية في الغرب.