لا تحتاج هذه السطور الصادمة لمقدمة، فقط قراءتها تفضح المأساة التي يعيشها الليبيون، بعدما تفاقم كورونا، وسط تردي صحي غير مسبوق، ونقص في أجهزة الأوكسجين وأماكن العزل.
لك الله يا ليبيا
وإلى نص الرواية التي سطرها أحد الاطباء في قسم العزل بزليتن
…..
اليوم الجمعة الموافق الثالث عشر من نوفمبر 2020
الساعة 10:00 صباحا
وصول شاحنة محملة باسطوانات الأوكسجين لقسم العزل،
عدد اسطوانات الاوكسجين في منظومة الاكسجين تكاد تفرغ، الاستاذ فرج الجندي يركب سيارته للبحث على عمال تنزيل ما يقارب 120 اسطوانة ( اسطوانات كبار) من الشاحنة التي وصلت قبل قليل، لكن للاسف لم يجد عامل في محطة العمال لانه يوم جمعة و العمال الذين يقومون بتنزيل الاكسجين عادة لا يردون ع الهاتف، و من هنا بدأت المعاناة.
ليس امام الفريق الطبي الا حل واحد و هو ان يقومو بتنزيل اسطوانات الاكسجين بانفسهم و هذا ما حدث.
كلهم بدأو بتنزيل الاسطوانات، بداية من الاخصائي المسؤول الطبي على الحالات لهذا اليوم مرورا بالأطباء و التمريض و فريق التعقيم و بعض اقارب المرضى المتواجدين في المكان.
تم تنزيل جميع الاسطوانات، و بدأ اليوم الاسوأ على قسم العزل، أقل من ساعة و توفى أحد المرضى نزلاء قسم العناية الفائقة في قسم للعزل، قسم الفلترة به 9 غرف يوجد به 6 حالات مصابين بكورونا و حالتهم اقرب للسيئة و هم على الأكسجين الحد الاعلى 15 لترا .
اسؤهم مريض في الحجرة الخماسية ومريضة في الحجرة رقم 9، قسم الفلترة يعمل بكامل جهده الكشف ع الحالات في الغرف الثلاثة المتبقية، و الحالات تتوالى تباعا والتعب بدا يأخد منا ومن جميع الطاقم الطبي في قسم الفلترة .
فجأة عند الساعة 6 مساءا يأتون حالتين امرأتين وضعناهم في حجرة رقم 5 و الاخرى في رقم 6 احداهن في عمر 55 عام و الاخرى 72 عاما نسبة اكسجينهم 67 ٪ وضعهم سيئة جدا، استدعينا فريق الرصد لأخد عينة PCR منهما و لبوا الاستدعاء على الفور مشكورين ، حاولنا تغير اقنعة الاكسجين وتعديل وضعيات المريضتين مع وضع الاكسجين في اعلى مستوى ليه وصل نسبة الاكسجين الى 77٪ و المرضتين في حالة سيئة ( على فراش الموت) .
أبلغت د سعد الاخصائي المسؤول عبر التكتيفون على وضعهم الاثنين، لانه كان مشغول مع طاقم الطبي في قسم العناية لقسم العزل أعطاني تعليماته و بدأنا في اعطاء المريضتين العلاج الاولي ولكن لا جدوى، خرج د سعد من العناية و جاء الينا قيم الحالتين و قال لي يستر الله يبو اجهزة CPAP ( نوع من انواع اجهزة التنفس الصناعي) و ما عندي جهاز فاضي كل المرضى الداخل في العناية العزل حالتهم حرج .
لم يبقى في قسم الفلترة الا حجرة واحدة فقط، و بدأنا في كشف الحالات في ساحة قسم الفلترة و في هذه الحجرة رقم 8 الى أن اتت الينا حالة معدل الاوكسجين 85 ٪ هنا اعلنا ان قسم الفلترة ممتلئ بالكامل .
دخلت لحجرة الكنترول، و أبلغت د سعد بذلك و ابلغته بحالة كل مريض في الفلترة السؤال ما العمل؟؟!
تم تبليغ ادارة القسم و من الصباح في تواصل أول بأول لكن ليس لديهم ما يقومو به .
الساعة 11:00 المريضة في حجرة 6 حالتها تسوء اكثر معدل الاوكسجين يصل الى 72٪ نظرات ابنها و حفيدها كلها حزن والم ليس لدي ما افعله ذهبت للدكتور سعد وضع رأسه بين يديه و قال ( قولي شن اندير يا عليوة).
سكتت لان ما عندنا ما انديرو، دقايق و جاء هاتف من العناية، رد د. سعد و اجا بالدكتور محمد بوخريص يبلغ فيه بوفاة مريضة في العزل. انا لله و انا اليه راجعون، طلعت للفترة سألت الممرض وين د عثمان زميلي في الفلترة قال لي ( في البركيدجو يكشف على الحالات) خرجت للبركيدجو نشوف فيه من بعيد لابس اللبس الوقائي و ماسك جهاز قياس العلامات الحيوية في يده و يمشي من سيارة لاخرى يكشف على الحالات، نادى عليا د سعد في هذه الاثناء جيته و بدأ النقاش بيني و بين د سعد و د أحمد بن حليم و د محمد بوخريص من اللي مندخلوه مكان المريضة اللي توفت؟!
هل مريضة رقم 5 او 6 شوي و جي د. عثمان و قال اندخلو اصغرهم سن هذا رأيي.
و احنا نتناقشو واحد من المرافقين ينادي عليا مشيتله قالي أختي اكسجينها نقص ( للامانة توقعته رقم او رقمين و يخلعوك و كانه صارت حرجة هدا اغلب المرافقين هكي) فتحت باب الحجرة لقيت الرقم في الشاشة 57٪ نسبة الاكسجين، نظرت للدكتور سعد و اشرتله بيدي انه رقم 9 وضعها منتهي ومشيت له جري .
قالولي الدكاترة شن كم قلتلهم 57٪ قالي كم عمرها قلتله 40 سنة الكل قال انها هي تدخل و هذا ما حدث طلعو التمريض من الداخل، و بمساعدة فريق التعقيم بارك الله فيهم دخلناها وحطوها الاطباء ع جهاز CPAP اللي كان ع المريضة اللي توفت و الحمد لله وصل اوكسجينها الى 100٪.
مرينا على الحالات، وهذا في مريض في “الخماسية” تاعب و مريض في حجرة 2 هدا من غير المريضتين اللي في حجرة 5 و 6 قالنا د سعد وضعهم حرج يستر الله لو ما يتوفو اقل شي 2 منهم الليلة عندهم .
للامانة جي فريق من الشباب المتطوعين وعرضو انهم كيف يساعدونا حاولو دعمنا معنويا لكن ما في اليد حيلة بارك الله فيهم مشكورين.
الساعة الثالثة صباحا، في هده الليلة الأسوأ هاتف تاني من الداخل و اذا بمريض من خارج المدينة قد توفى .
طلت انا و د سعد و ادا د عثمان يتناقش مع اقارب مريض جاي في سيارة اسعاف من مدينة قصر الأخيار، و يقوللهم و الله ماعندي سىرير فاضي وهما يقولو به كيف قالونا يبي عناية وين نمشو شن انديرو الاجابة كانت ما عندي ما انديرلك دقايق، و تجي سيارة تانية فيها عجوز تاعبة تبي عناية كان نفس الرد وعلى هالحال ممكن 15 حالة.
بلغت عثمان، انه في حالة توفت و مندخلو وحدة من الحالات الداخل و بينا نختارو من اندخلو تم الاختيار ع المريض في الخماسية و دخلناه.
لحظات و أتى بعض من فريق معا نتعافى طلب د. سعد من صيدلاني محمود بن خليل جهاز تنفس في المخزن لأن في جهاز شبه عاطل الداخل و اتى به مشكورا…
الحالات في عيادة الحرارة اغلبهن في حالات حرجة و لكن ما في اليد حيلة بالليبي ( ما عندي ما اندير ) تم تركيب الجهاز ع السريع و قرر د. سعد يدخل حالة لان الجهاز اشتغل كويس و هنا كان السؤال الصعب من اللي بدخله القرار صعب لانه امامنا 3 مرضى ع فراش الموت و يحتاجو اوكسجين و المتوفر جهاز واحد فقط تم الاختيار على مريضة رقم 5
و دخلناها مع ساعة 5 فجرا
مع الساعة 6 صباحا مريض في غرفة رقم 2 كان اكسجينه 65٪ و ضغط الدم مرتفع و وضعه مقلق جدا والحقيقة انه يحتضر، اعطينا ادوية انزلو الضغط و عطينا ادوية و عدلنه وضعيته لكن في نفسي وعلى حسب المعطيات حيموت في الدقايق القادمة و الحق في داخلي ندعي لله انه ما يموتش في مناوبتي، لانه على حسب المعطيات مش حيعيش لساعات تانيات دخلت لحجرتي و كيف منرقد سمعت اولاده يعيطو، د. عثمان ناض قالي خليك تو نشوفه انا مشي هو و الممرض شوي و نسمع عياط الابناء عؤفته انه توفى شوي و جي د. عثمان للغرفة و قعمز، قلتله توفى الحاج قالي أي، حل الصمت و لا نسمع الا بكاء الأبناء، اما نحن فاصابنا احباط، لان اول مرة مريض يموت قدامنا و ما عندناش ما نديروله.
هذه أول ليلة ظلماء بأحداثها كظلام سمائها بالضبط
اللهم إنا قد مسنا الضر و أنت ارحم الراحمين
الثالث عشر من نوفمبر 2020
د. علي العربي القدار
احداث قسم الفلترة و العزل
زليتن