رغم المعاناة والألم.. تصدح أصوات الفرح بالأمل منشدة تراتيل الاحتفال بذكرى مولد سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم.
هكذا هي ليبيا كل عام.. ينتصر الفرح فيها على الألم.. ويتذكر أبناؤها دوما أن ظلام الليل وعتمته، سيليه انبلاج الفجر وضياؤه.. حيث تتزين شوارع المدينة بوسائل الإضاءة ومختلف مظاهر الزينة وتبقى الدكاكين أبوابها مفتوحة إلى فترة متأخرة من الليل.
وتعد الأيام الأولى من شهر ربيع الأول وقبل إطلالة ليلة الميلود موسمًا تجاريًا رائجًا فى أسواق ليبيا، حيث تكثر البضائع الخاصة به فى الأسواق وتعرض المحلات الجديد من الملابس والأحذية التقليدية المطرزة الخاصة بالكبار والصغار والسلع وتزين واجهات المتاجر والدكاكين والشوارع وتكدس الألوان المختلفة من حلويات المولد التى تعد خصيصًا بهذه المناسبة والخميسات والقناديل والدرابيك والبنادير وتكثر الروائح العطرية والبخور فى الأسواق وتعرض الحِنّة واللوبان والرُّب والعسل أمام الدكاكين
وتبدأ مراسم الاحتفال منذ غروب شمس ليلة المولد وتستمر ثلاثة أيام وما إن تغرب الشمس حتى يخرج الأطفال من بيوتهم فى مختلف أنحاء ليبيا بقناديلهم ومشاعلهم، مرتدين الثياب الجديدة مهللين ومكبرين ومنشدين بالصلاة على رسول الله، ويبدأ الصبيان بالاحتفال أولاً قبل الفتيات وذلك بإطلاق أنواع من الألعاب النارية
مهرجانات ومسيرات حاشدة ابتهاجًا بمقدم عيد المولد الشريف حيث تمتلئ الساحات بالألعاب الشعبية وسباقات الخيل ومواكب الزوايا الصوفية على مختلف انتماءاتها مغادرة مقارها لتطوف عبر الشوارع حاملة بيارقها وراياتها وأعلامها ذات الألوان المتباينة وسواريها المقرونة بالرنوك والتروس يتقدمهم شيوخ الطرق الصوفية يحف بهم مريدوهم وأتباعهم من المنشدين والعازفين وضاربى الدفوف وطبلات النقرة ذات الإيقاع المميز والطبول الكبيرة وحاملى المباخر ويتوسط حلقاتهم الراجلة والبطيئة المداحون.
وفي البيوت تجتمع النساء للتسامر ولتقديم بعض الحلويات وتجاذب أطراف الحديث عن السنة النبوية، أو للغناء وترتيل الأناشيد مستخدمين الدف، في أجواء تفوح منها روائح البخور العطرة.
وفي هذا اليوم جرت العادات على تحضير العصيدة كوجبة للإفطار، وفي ذلك تتنافس النساء لتقديمها بأفضل شكل وبأجمل طعم.
ومن بين العادات الليبية التي تحرص عليها العديد من الأسر “الخميسة”، وهي عبارة عن شجرة تُصنع من بقايا الخشب وتُضاء بالشموع وتعلق فوق الشمعدان، وهناك من يصنعها عن طريق أسلاك كهربائية مضيئة، تشكل على هيئة ورود بيضاء وحمراء”.
وفي الجنوب وخاصة عند الطوراق تغيب العصيدة ولكن تحضر أطباق اللحوم الشهية بقوة، إذ تذبح الخراف وتوزع لحومها على الفقراء، كما تتزين النساء بالحنة والكحل.
“التدريجة” أيضا من العادات الليبية ولكنها غابت عن الاحتفالات خلال السنوات الأخيرة، وهي عبارة عن تجمع شعبي ينطلق من أصغر الزوايا الدينية إلى أكبرها، مع التهليل والإنشاد والعروض الشعبية والموسيقى الفولكلورية والفروسية، نظراً إلى ظروف البلد واحتراماً لمشاعر النازحين في المدارس.