لم يضع المحتل التركي، رهانه عندما نزل ليبيا وقرر عقد اتفاقات مشبوهة مع الليبيين من أعوانه، على رجل واحد. كان يعلم تماما، أن هناك بلدا مهترئا دمرته نكبة فبراير اللعينة 2011، وأنه لا مكان لاستقرار أي شخص ولا بقاء أي من الفاسدين. لذلك تقرب منهم كلهم وأخضعهم لسلطانه.
الغريب أن أردوغان، ولضمان أكبر قدر من السيطرة وفي سابقة تحدث للمرة الأولى في العالم، دعا الصديق الكبير للاجتماع به في أنقرة، ليضمن أو بالأحرى ليشتري تواطؤه على اتفاقاته، وهو محافظ لمصرف ليبيا المركزي- طرابلس وليس سياسيًا أو الرئاسي او عضوا بالحكومة غير الشرعية.
ومثلما فعل أردوغان مع الصديق الكبير، تقرب عبر الاستخبارات التركية، لجميع الفاعلين في المشهد الليبي في المنطقة الغربية. فقرب باشاغا وقرب معيتيق وقبلهما بالطبع خالد المشري، زعيم تنظيم الإخوان المسلمين وقرّب وفاعلين في المشهد من الخارج، أمثال عبد الحكيم بلحاج والغرياني والصلابي وكلهم يدينون له بالطاعة.
وتأتي التصريحات الأخيرة لأردوغان، بخصوص فايز السراج والإعلان عن حزن أنقرة لقرار السراج ترك السلطة، ليدفع بأكذوبة كبيرة في المشهد الليبي وليعتقد البعض، أن خروج السراج يعني نهاية للنفوذ التركي في ليبيا.
الواقع غير هذا وفق مراقبون، فأردوغان قد رتب لهذا جيدا وكان قد اجتمع شخصيا، والكثير من أعضاء ادارته مع باشاغا أكثر من مرة، وهو وزير الداخلية المفوض القوي أحد المرشحين بقوة للمجىء بعد السراج.
كما جلس مع معيتيق، وهناك اتصالات مفتوحة مع الرجلين ومنذ شهور، ومعيتيق نائب السراج في الرئاسي، علاوة بالطبع على ولاء “المشري”، الذي يعتبر من خلال ما يسمى بالمجلس الأعلى للدولة عين أردوغان الساهرة على أي اتفاقات او اي اشخاص قادمون للمشهد!
وكان قد علق أردوغان، على قرار السراج تقديم استقالته الفترة القادمة، بأنه مستاء من ذلك ويشعر بالحزن. ربما لأنه رفيقه الذي سهل له احتلال ليبيا بأكثر مما كان يطمع.
وقال المحلل السياسي، أبو يعرب البركي، في تصريحات سابقة، أن أردوغان لعب بورقة “ليبيا تركية الأصل” لتبرير تدخله وتسويغ مسألة الاحتلال التركي لليبيا ونهب ثرواتها، كما استخدم في ذلك الليبيين من أصول تركية واختار التعاون والتحالف مع الشخصيات المؤثرة في تنظيم الإخوان المسلمين لتوسيع هيمنته داخل ليبيا.
وكشف عن وجود ورقة بيد أردوغان، ربما تغافل الكثيرون عنها قائلا: أنه إذا خرج السراج من المشهد، فإنه يمكن لأردوغان ومن خلال المرتزقة السوريين، وتحويلهم لذئاب منفردة ان تنتشر لضرب الاستقرار، وبالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين وبقية التنظيمات الإرهابية والميليشيات المجرمة، يستطيع فرض هيمنته من جديد في حال حدثت سيولة.
اما غير ذلك فهناك أسماء كثيرة موالية لأردوغان وتمسك بزمام المشهد، منهم الإرهابي صلاح بادي الذي يقود كتيبة “لواء الصمود”، أهم الميليشيات المسلحة في مصراتة والغرب، وهو مدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي منذ نوفمبر 2018 بتهمة زعزعة الأمن في ليبيا. وعبد الحكيم بلحاج وعلي الصلابي المقيم في قطر والغرياني ومحمد صوان زعيم تنظيم الاخوان المسلمين علاوة على الورقة الأهم ممثلة في وزير داخلية السراج المفوض فتحي باشاغا.
ولا يخفى على أحد أن الانقلاب الذي كان قد دبره باشاغا على السراج، خلال مظاهرات طرابلس الماضية، كان بتحريض من تركيا وحيث اجتمع أردوغان مع باشاغا والصديق الكبير أواخر أغسطس الماضي وفي عز المظاهرات والغضب الليبي.
كما ان رجوع باشاغا لمنصبه مرة ثانية، جاء بوساطة تركية وإخراج تركي كامل للمشهد.
وكشفت صحيفة ايطالية، “ستارتماج”، عن ضغوط تعرض لها فائز السراج؛ لإعلان تسليم السلطة نهاية شهر أكتوبر المقبل، وذلك لتشكيل حكومة جديدة تكون موالية لتركيا بالكامل، في ظل الانقسام والشقاق الموجود داخل حكومة السراج غير الشرعية.
وتراهن تركيا على اثنين من رجالات مصراتة، وعرابّي الاحتلال، وهما أحمد معيتيق نائب مجلس السراج الرئاسي أو باشاغا الوزير المفوض في حكومته.
ووفق مراقبون فإن أحمد معيتيق موال لتركيا بشكل غير مسبوق، ولا يمكن لأحد أن يتناسى تصريحه قبل عدة أسابيع والذي قال فيه: إن تركيا شريك إستراتيجي، وأن التعاون معها سيستمر لبناء الدولة!!
خروج السراج من المشهد سيتبعه ألف “سراج” جديد موال لتركيا.