متلازمة “قطر – تركيا” “الحلف الثلاثي” و اعادة توجيه مسارات وتفاعلات الأزمة الليبية
متلازمة “قطر – تركيا”
“الحلف الثلاثي” و اعادة توجيه مسارات وتفاعلات الأزمة الليبية
أحمد عليبه
توصيف وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس خلال زيارته الاسبوع الجارى إلى طرابلس المرحلة الحالية فى ليبيا بأنها مرحلة ” الهدوء الخادع ” يعكس تقييم دقيق لطبيعة التطورات والتفاعلات الجارية في ليبيا بغض النظر عن شمولية التوصيف للقوي شرقا وغرباً لاسيما فى ضوء مخرجات زيارة وزيرى الدفاع التركي – القطرى وتدشين التحالف الثلاثى ( التركي – القطرى – الوفاق ) فى طرابلس. اضافة لكونه توصيف يعكس كم التحديات والتعقيدات المركبة التي يشهدها مسار برلين وإحتمالات وصوله إلى نقطة اللاعودة. وتحوله إلى مسار لـ” الوساطة ” بعد أن يعول عليه كمسار انتقالى شامل للأزمة الليبية.
علي الجانب الأخر ؛ يعيد ظهور وزير الدفاع القطرى فى طرابلس تسليط الضوء على دور الدوحة المستقبلى فى ليبيا فى اطار متلازمة الشراكة التركية – القطرية، فواقعياً قطر لم تكن خارج معادلة التفاعلات الليبية خلال مرحلة الصخيرات، وإنما كانت بعيده عن الأضواء، بالنظر لعدة عوامل منها ظهور الجيش الليبي كقوة عسكرية منظمة تمكنت من ضبط المشهد الأمني فى مساحة واسعة من البلاد فى الشرق والجنوب. اضافة الى مشاركة حلفاءها لاسيما – الإخوان المسلمين – فى الكيانات السياسية المنبثقة عن الصخيرات. فضلا عن عدم قدرتها فى كل الأحوال على التحرك بشكل منفرد ، ودائما ما تحتاج إلى حليف أو شريك ترافق ظله، وبالتالى ترتبط العودة بحدوث متغير فى تلك العوامل. وعلى الرغم من أن العنوان الاسترايتجي للدور القطرى فى ليبيا وأهدافه ودوافعه لم تتغير منذ عملية اسقاط النظام السابق الذى كان لقطر الاسهام الأكبر فيه بعد حلف ” الناتو “، إلا أن هناك متغير فى التكتيكات للتكيف مع طبيعة المرحلة الحالية،
وبشكل عام لم تكن هذه العودة مفاجئه، فى اطار سياسية ” العناق الاسترايتجي ” التى يتبعها الطرفان، فقد استقدمت قطر تركيا لانشاء قواعد عسكرية فى اطار الأزمة الخليجية، ثم انتقل الطرفان معاً الى الساحة الصومالية، والتعاقب ثم التوازى فى التواجد علي الساحة الليبية . اضافة أن الدوحة لعبت دور الممول لهذا المشروع خلال الفترة السابقة . كذلك فإن قطر تمثل “واجهة عربية ” قابلة للتوظيف فى اطار المشروع التركي فى ليبيا ومشروعها الاقليمي فى المنطقة العربية، وهو السياق الذى تبادله الطرفان التركي – الوفاق فى تجديد الترحيب بالدور القطرى، فابراهيم قالين المتحدث باسم الرئاسة التركية صدر حدثيه تعقبيا على الزيارة بالاشارة إلى ” الرفقة ” القطرية لتركيا.
وتعكس قراءة الزيارة اتجاهات الحلف الثلاثي ” تركيا – قطر – الوفاق ” والتي تتمركز حول تعزيز مشروع “التمكين ” بتعزيز بأدواته المختلفة بشكل استباقى لفرض أمر واضع أمر واقع على الأرض، ويعتمدون فى هذه الاسترايتجية على عاملين رئيسين محل توافق قطرى – تركي، هما الوكيل السياسي المتمثل فى مجموعة الوفاق الموالية بهدف اعادة انتاجها مرة أخرى فى المستقبل كأطار سياسي، والأداة العسكرية لتأمين وتوفير الحماية لهذا المشروع كاطار أمني وعسكرى. وهو ما يمكن تناوله على النحو التالى :-
المسار السياسي : تكيتك العرقلة وخطوات استباقية
الهدف المرحلى هو تعطيل المسار السياسي بهدف كسب الوقت للتمكن من الحصول على أكبر قدر ممكن من الحصول على توقيعات ” الوفاق” على الاتفاقيات العديدة التي يتم تمريرها دون الرجوع للبرلمان ودون الكشف عن مضمونها، وهو أمر لافت، فكم الاتفاقيات الخارجية التي وقعتها الاتفاق منذ استدعاء تركيا غير مسبوق مقارنة بكافة الحكومات الليبية المتعاقبة ، كما أنه بحسابات تسارع توقيع تلك الاتفاقيات الأمنية والعسكرية المتوالية والحصرية لتركيا وقطر فضلا عن أنه لم يسبق أن وقعت حكومة فى دولة غير مستقرة أو حتي فى حالات الدول المستقرة فى الاقليم هذا الكم من الاتفاقيات ، الأمر الذى يعكس اتجاه فرض أمر واقع قبل اطلاق مسار التسوية للحصول على ختم الوفاق كمعطي اجبارى على حكومة مستقبلية .
هناك مؤشر آخر يؤكد هذا الاتجاه، وهو الحوار الجارى حالياً فى جنيف للجنة المصغرة الخاصة بازالة العقبات أمام مسار التسوية، والذى يشهد مماطلة من مجموعة الغرب المشاركة فى اللجنة، سواء من خلال تقديم اطروحات مقابلة لاعلان القاهرة ومبادرة المستشار عقيلة صالح لاستنزاف الوقت فى جدل سياسي، واستنزاف البعثة الأممية ، فلم يكن من قبيل المصادفة التحرك التركي – القطرى حالياً على المستوي العسكرى بالتوازى مع تعثر مسار مجموعة 5+5 العسكرية برعاية الأمم المتحدة لاعلان وقف اطلاق النار ومن ثم العودة إلى مسار برلين، وهو أحد التعقيبات الرئيسية علي زيارة ” ماس ” التي تكشف بدورها هي الاخرى عن العديد من الاشكاليات، إذ يبدو أن هناك اخفاق متعمد فى مسار برلين، وهناك تحديات كبيرة أمام عملية استئنافه، وهناك تمليحات واضحة من ” ماس ” بعدم القدرة على تجاوز العراقيل الراهنة أمام الحل السياسي .
كذلك هناك أيضا تلميح وزير خارجية الوفاق محمد سياله فى المؤتمر الصحفي مع نظيره الالماني بأن ستيفاني وليامز القائم بأعمال رئيس بعثة الدعم فى ليبيا لا ترغب الاستمرار فى عملها فى أكتوبر المقبل، فى حين أن هذا الموقف لم يصدر عن وليامز بل على العكس تسعي إلى الاسراع فى استئناف المسار السياسي قبل موعد التجديد لها فى الموعد المقرر ، وهو مؤشر أخر على أن الوفاق وحلفائها يسعون إلى ابعاد وليامز عن المسار الحالى حتي يتم تعين مبعوث جديد لاستغلال الوقت كفرصة للمزيد من التمكين حتي يلم المبعوث القادم بابعاد الملف وتطوراته .
المسار العسكرى : بناء كيان عسكري مواز وزيادة وتطوير القدرات
السياق الحالى يبدو كاشفاً عن اتجاه زيادة وتطوير البنية العسكرية التحتية والاساسية، فخلال المرحلة السابقة سيطرت تركيا على قاعدتي ” الوطية ” و”معيتيقه ” وتعمل على تأهيل هذه القواعد بما يناسب طبيعة العمل العسكرى المستهدف ، فللمرة الأولى سيكون هناك امكانية لتشغيل أسراب الطائرات دون طيار فى تلك القواعد إلى جانب المقاتلات العسكرية ، وتشير العمليات العسكرية فى الأشهر الأخيرة التي قادتها أنقرة ضد الجيش الليبي اعتمادها الرئيسي على ” الدرونز ” ( بيراقدار – العنقاء) بشكل مكثف، وتمول قطر الشراكة من خلال الصندوق السيادى انتاج هذه الطائرات “. كما تم امداد هذه المواقع مؤخراً بمنظومات دفاعية متنوعة على الارجح أنها أصبحت قيد التشعيل.
لكن الجديد فى هذا السياق هو الاتجاه لبناء قاعدة بحرية تركية – قطرية مشتركة، وهو ما الاتفاق عليه خلال الزيارة وفق التسريبات والتصريحات الاعلامية، حيث سيتم بناء ميناء بحرى ذى طابع عسكرى فى مصراته إلى جانب الميناء البرى الذى سربت تقارير فى وقت سابق أن تركيا وقطر اتفقتا خلال الشهور السابقة على اعادة تأهيلة وتم توقيع اتفاقية ” امتياز ” مع الوفاق فى هذا الصدد ، وبالتالى تصبح مصراته قاعدة مزدوجة ( اقتصادية – عسكرية) للمشروع التركي – القطرى . كما سيتم انشاء مركز تنسيق عسكري ثلاثي في مصراتة ما يعني ان قطر سيكون لها حضور أيضا فى القواعد الأخرى وهو ما ألمح إليه تصريحات العديد من مسؤولى الوفاق تحت عنوان زيادة الدعم العسكرى .
المسار الأخر ، هو اتجاه بناء كيان عسكرى مواز للجيش الوطني، وهو ما يمكن الاشارة إليه من خلال عدة مؤشرات ، فى المقدمة منها الاتفاق على برامج تدريب جديدة، دون الاشارة إلى تفاصيل فى هذا الصدد لكن الإجتماع مع أمراء المحاور الموالين للوفاق والاتفاق علي ارسال مدربين عسكريين من قطر يؤكد مساعي الحلف الثلاثى لبناء كيان عسكرى مواز، من خلال الاعتماد على الفصائل العسكرية وشبه العسكرية لاسيما فى مصراته والزنتان والتي لم تنضم للقيادة العامة، وهي خبرة لا تمتلكها قطر ، حيث تعتمد بالأساس على الدور التركي. والامر الجوهري الأخر فى هذه النقطة تتعلق بالاعتراف بالكيان الذى سيتولد فى الأخير ، خاصة وأن الملاحظ من قبل هو أن هناك اعتراف بالانقسام العسكرى ومجموعة 5+5 هي ترجمة لذلك ، فهناك عسكريون من الشرق يعادلهم أخرون من الغرب .
ويعتقد بشكل مرحلى أن الاعتماد الرئيسي سيكون على مليشيات المرتزقة، لمعالجة نقاط الضعف فى الانتشار العسكرى فى الغرب الليبي وفق برنامج اعادة بناء القدرات والتطوير ، فقد كشفت صحيفة ” صومالى جارديان” عن اتجاه قطرى- تركى لاستثمار البنية العسكرية الصومالية التي شكلها الحلفين فى مقديشو على مدار السنوات الخمس السابقة، اضافة إلى إتجاه انقرة الالتفاف على القيود الأوربية المتنامية في المرحلة الحالية على استمرار الامدادات العسكرية وجيوش المرتزقة إلى ليبيا عبر المتوسط. وكذلك يبدو ان هناك عملية اعادة نظر فى تجربة نقل المرتزفة السورين علي جبهات القتال فى ليبيا، والتي على ما يبدو أنها كانت لمرحلة مؤقته، ومجرد ورقة للمساومة يمكن التضحية بها.
دوافع كاشفة :
التكتيكات الاستباقية التي تتبعها تركيا وقطر حالياً فى ليبيا تعكس اتجاه لفرض أمر واقع يشكل تحدى يصعب تغيره فى المستقبل فى ظل طبيعة التفاعلات الحالية ، وذلك فى سياق عدد من الدوافع :-
بنية عسكرية تؤمن وجود دائم : حالة التسلح ( التركية – القطرية ) تعكس نمط بنيوي لتأمين وجود دائم، وليس تسلح تكتكيي فى اطار معادلة اشتباك ميدانية بين طرفي صراع ، أو سباق تسلح بين قوى محلية متصارعة وفق تنظير هايكو ماس ” الهدوء الخادع “، بل ان الأمر يتجاوز مجرد احداث فارق فى موازين القوى الحلية ليميل لصالح الغرب، فإحداث فارق الأن لن يتم بدعم الجيش الليبي بالاسلحة، وهناك طرف أخر يتم دعمه ببناء قواعد بأكلمها .
المنطقة منزوعة السلاح و مخطط التقسيم : بدأ بإشارة أمريكية فى لقاء السفير الأمريكي ريتشاد نولارند مع المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي الذى تحفظ عليه بقوة، وتم تسوقيه فى زيارة وزير الخارجية الالماني، وتلقفته تركيا حيث أكد ” قالين ” القبول المبدئى للفكرة، والتي تعني عملياً تقسيم البلاد (شرق – غرب)، فما هو شكل الترتيبات الأمنية فى تلك المنطقة منزوعة السلاح، ومن يتواجد فيها، هل قوى دوليه أم شركات أمنية أم قوة شرطية ومن ستبع؟ من جهة فإنها تقطع الطريق على مبادر ة صالح فى تحويل سرت إلى عاصمة مؤقته خلال الفترة الانتقالية لانهاء التحيزات الجهوية حتي يمكن التوصل إليها فى الاتفاق السياسي فى المستقبل. ومن جهة أخرى تسعي إلى اضعاف ورقة الضعط التي يرتكز عليها الجيش الليبي بابعاده عن نسق دفاعه الأول حالياً .
المناورة مع روسيا للوصول إلى صفقة : بيان الكرملين الصادرة بالتزمن مع الزيارة التركية القطرية، حول اتصال بين الرئيسين بوتين – أردوغان، يعكس هو الأخر لهجة مختلفة نسبياً تميل إلى تقارب روسي – تركي بشأن التوصل لتفاهم مشترك باللغة الدبلوماسية أو ” صفقة ” وفق الخبرات المشتركة بينهما فى ليبيا . لاسيما مع تأكيد أنقرة على أن التقارب مع موسكو سيكسب تحالفها المشترك كل شيىء، ويخسر الباقون جميعاً . فى المقابل هناك تقديرات تميل إلى أن روسيا متأرجحه هي الأخرى، وإن لم يكن تحالفها هشاً مع المشير حفتر القائد العام للجيش الليبي فهو ليس متيناً أيضاً، مقارنة بطيعة التحالفات المناظرة على الاقل فى الغرب الليبي أو حتي سوريا ، فحفتر لم يوافق على منحها امتيازات التحالف المطلوب ، لاسيما بناء قواعد عسكرية، وفى ظل وجود ” فاجنر ” فالعلاقة التعاقدية بين الطرفين لم تتطور اكثر من مستوي الخبراء والمستشارين.
فى الأخير يمكن القول أن مرحلة الخداع الحالية فى المشهد الليبي هي بالأساس مرحلة مناورة لحلف المصالح المشتركة الثلاثى فى ليبيا ” تركيا – قطر – الوفاق ” ، وتظهر فيها قطر كالعائد إلى مشهد الحصاد لجني المزيد من الفرص والمكاسب ، وتعزيز ادوات اللعب وخلط الاوراق لفرض أمر واقع جديد لتوجيه المسار السياسي فى الاتجاه الذى يؤكد على تلك المصالح فى المستقبل. وبالتالى فى المقابل هناك تساؤول يطرح نفسه، هل لا يزال امام القوى والمؤسسات الوطنية فى ليبيا فرصة لاحباط المخطط الحلف الثلاثى؟ .. المؤكد أن المعركة الحالية أصبحت معركة سياسية فى المقام الأول تتطلب أدوات وقدرات معادلة أكثر احترافية سياسية ودهاءً فى القدرة على المناورة المضادة، وخلق أوراق ضغط جديدة وموزاين قوي مضادة أكثر فاعليه وتأثيراً .