أوج – روما
قال نائب رئيس البرلمان الأوروبي، فابيو ماسيمو كاستالدو، إن إيطاليا تريد أن تلعب جنبًا إلى جنب مع أوروبا لمنع الأزمة في ليبيا من الاتجاه نحو صراع لا نهاية له، مُبينًا أن القيام بذلك يتطلب الاتفاق مع بعض شركاء الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا.
وذكر “كاستالدو” المنتمي لحزب خمسة نجوم الإيطالي، في مقابلة له، مع وكالة “نوفا” الإيطالية، طالعتها وترجمتها “أوج”، أن وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، طرح مؤخرًا مقترح لخطة أوروبية لإعادة إعمار ليبيا، مُبينًا أن هذا حافز مهم لمحاولة التكاتف بين الجهود التي يمكن أن تأتي من الدول الأوروبية وغير الأوروبية على حد سواء، لضمان عودة ليبيا إلى دولة حقيقية وقادرة على السيطرة على حدودها.
ودعا نائب رئيس البرلمان الأوروبي، إلى جهد أوروبي مشترك، من أوروبا في مجال إزالة الألغام، مُتابعًا: “وضعت إيطاليا نفسها على الخط الأمامي من خلال إرسال قوات لتأمين طرابلس، ونأمل أن يكون هناك أيضًا جهد مشترك من قبل دول أوروبية أخرى، للمضي قدمًا بسرعة في هذا الاتجاه، فكلما زادت المساهمة، كلما كان من الممكن تأمين طرابلس بشكل أسرع، وخاصة المناطق شديدة التحضر، كما يدفع المدنيون العزل الثمن باهظًا ويُصابون بجروح خطيرة بسبب هذه الألغام”.
وتطرق “كاستالدو”، إلى إعادة إعمار ليبيا، موضحًا أنه من الضروري أولاً التوصل إلى حل دبلوماسي وسياسي للصراع وأن الشرط المسبق لذلك هو وجود وحدة حقيقية وليس وحدة أوروبية منافقة، مُستدركًا: “في كثير من الأحيان في السنوات الأخيرة، رأينا بعض البلدان تتبع سلوكًا غامضًا إلى حد ما، وعلى سبيل المثال، فرنسا تدعم خليفة حفتر في عدة مناسبات، على الرغم من تأييدها الرسمي لمواقف الممثل السامي للاتحاد الأوروبي”.
واستفاض: “هذا الافتقار إلى التوافق، قلل من قدرة الاتحاد الأوروبي على أن يكون وسيطًا ذا مصداقية في هذا الصراع، وخلق موقف يكون فيه الممثلون الآخرون غير الأوروبيين هم الآلة الحقيقية والداعمين للفصائل في الميدان، من ناحية تركيا لطرابلس، ومن جهة أخرى لروسيا لبرقة، وفي هذا السياق، يصبح من الضروري، تجنب التقسيم الفعلي للبلاد في مناطق النفوذ المباشر، والخطر إذن ليس إعادة توحيد المؤسسات وعدم المضي قدمًا في نزع سلاح الميليشيات، بل في جعل الصراع في ليبيا طويل الأمد، بمرور الوقت”.
ولفت نائب رئيس البرلمان الأوروبي، إلى أن الوضع الراهن يتطلب تعزيز الحوار وإعادة إطلاق الاتفاقات والالتزامات التي تم التوصل إليها في مؤتمر برلين، والتي تم رفضها بعد ذلك على وجه التحديد من قبل خليفة حفتر، مؤكدًا أن مشاركة جميع الجهات الفاعلة الإقليمية في هذه العملية أمر ضروري، بدءًا من تركيا، مرورًا بمصر ودول الخليج وروسيا.
وبيّن أن الوضع بحاجة إلى التزام يجعل جميع المتنافسين يفهمون أن الحل العسكري على المدى الطويل غير مجدي، لأنه يمكن أن يكون نذيرًا لمزيد من الصراعات، ويخلق عدم استقرار دائم داخل ليبيا، موضحًا أن هذا أمر لا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال، مُستفيضًا: “لهذا السبب، نحن بحاجة إلى اتحاد أوروبي قوي وموثوق به ومستعد للوفاء بمهامه”.
وفيما يخص العملية “إيريني”، قال إنه من الضروري تمديد ولاية بعثة “إيريني” الأوروبية، مُبينًا: “نحن نعلم أن هناك مداخل كبيرة للأسلحة من الجبهات البرية والجوية، ومن الأهمية بمكان أن نتصور توسيع الولاية بالاتفاق مع الأمم المتحدة، ويتطلب ذلك أن يكون هناك التزامًا من أطراف ثالثة إقليمية أخرى باحترام هذا الدور”، مُشددًا أن التوترات التي حدثت في الأيام القليلة الماضية لا تساعد بالتأكيد في هذا الصدد.
وحول الموقف الإيطالي، من الأزمة الليبية، قال “كاستالدو”: “يُنظر إلى ليبيا على أنها مشكلة إيطالية بارزة للعديد من دول أوروبا الشرقية والشمالية، خاصة في دول البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وإسبانيا، فهم لا يفهمون أن حدود الاتحاد الأوروبي هي حدود الجميع، وليس فقط دول تلك المنطقة الجغرافية المحددة”.
ورحب “كاستالدو” بالاقتراح الليبي، المؤيد لمذكرة التفاهم بين إيطاليا وليبيا بشأن التعاون في مجال التنمية ومكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والتهريب وتعزيز أمن الحدود، مشيرًا إلى أن مبادرة “دي مايو”، لن تؤدي إلى تحسين احترام حقوق الإنسان في إدارة الهجرة فحسب، بل ستؤدي أيضًا إلى تعاون أكبر على أرض الواقع مع الأمم المتحدة.
وأكمل في مقابلته مع “نوفا”: “يجب أن تفهم الدول الأوروبية أن المشكلة الليبية مشكلة أوروبية وليست مشكلة إيطالية أو متوسطية، ولهذا السبب، يجب تضمين هذا المسار في انعكاس أوسع لسياسات الجوار والالتزام أيضًا بأمن ودفاع الاتحاد، حيث سيسمح لنا هذا بفهم الفارق الذي يمكن إحداثه، وسيجعل الجهات الفاعلة الداخلية تدرك أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه الإرادة لوضع جدول أعمال لصالح فصيل أو آخر، بل ضمان انتقال ديمقراطي منظم ومشاركة مختلف الحقائق المحلية والقبلية في عملية سلام شاملة”.
وأما بخصوص موقف الجزائر وتونس، قال “كاستالدو”: “يمكن أن يكون الدور الوسيط لدولتين مجاورتين، هما تونس والجزائر، خاصة أنهما لا يحملان أجندة جيوسياسية في ليبيا، ولكنهم مهتمون بعودة الاستقرار والمشاركة الكاملة لمختلف المكونات والفصائل من أجل عملية سلام، والأمل هو أنه قد تنشأ فرصة أخرى من هذه البلدان لإعادة فتح عملية السلام”.
وأشار إلى أن إعلان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في القاهرة، بوقف إطلاق النار، يجب إدخاله في عملية السلام، لافتًا إلى أن: “التوترات على الأرض لا تزال قوية، ويوجد في هذه اللحظة تقدم لقوات السراج نحو سرت، والذي يُنظر إليه بطريقة أو بأخرى على أنه خط أحمر محتمل داخل البلاد، إذا تم تجاوزه، يمكن أن يؤدي إلى تدخل مباشر من مصر أو قوى أخرى، وبدلاً من ذلك فمن خلال الحوار مع مختلف الجهات الفاعلة، يمكننا محاولة إيجاد نقطة تفاهم أخرى”.
وذكر نائب رئيس البرلمان الأوروبي مُجددًا: “أظهرت تسع سنوات من عدم الاستقرار في ليبيا أنه لا أحد قادر على الانتصار، وتعتمد الفصائل الفردية بشكل كبير على استخدام المرتزقة الخارجيين الذين يتم تجنيدهم باستمرار من قبل القوى في الميدان، ويتم تكوين هذا الوضع على أنه غير قابل للاستمرار من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية، وإذا تم تعزيز وضع القوة هذا، فلن تصبح روسيا وتركيا سادة الميدان فحسب، بل أيضًا عرابين الفصائل الموجودة حاليًا على رقعة الشطرنج الليبية، ويحددون هويتهم، ويطبقون النموذج السوري على الصراع الليبي”، مؤكدًا أن هذا السيناريو يجب على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي تُجنبه، وأن هذا هو الوقت المناسب لإحياء العملية السياسية بقوة.
واختتم: “لا يمكن إضاعة المزيد من الوقت بعد ما يقرب من 10 سنوات من الصراع، لقد حان الوقت لخلق مساحة صريحة وصادقة، دون غموض ودعم غير متناسق أو غير مباشر للفصائل الأخرى، من خلال تعزيز الحوار”.