أوج – طرابلس
تحل اليوم 11 الصيف/يونيو الذكرى الـ50 لإجلاء القواعد والقوات الأمريكية، حيث يحي الليبيون هذه الذكرى من كل عام، مستذكرين قول القائد الشهيد، معمر القذافي: “إن حرية ليبيا تبقي ناقصة طالما لا يزال جندي أجنبي واحد فوق ترابها”.
ولإجلاء القواعد والقوات الأمريكية تحديدًا عن الأراضي الليبية إرهاصات قبلية وبعدية وفق كثير من المؤرخين والمتابعين، ووفق كثير من الوثائق التي سُربت بعد ما يزيد عن 45 عامًا من الإجلاء، وحتى يومنا هذا لا تزال الوثائق التي تخرج يومًا بعد آخر تثبت الدور البارز للقائد الشهيد، معمر القذافي ورفاقه، في هذه المعركة الدبلوماسية التي أجلت كل هذه القوات دون أن تسقط قطرة دم ليبية.
إرهاصات ما قبل ثورة الفاتح
كانت الإدارة الأمريكية ومنذ سنوات قبل ثورة الفاتح من سبتمبر تترقب الوضع في ليبيا وتتابع عن كثب كل ما يتعلق بهذا المورد النفطي الأهم في المنطقة والبوابة العربية القريبة جدًا من الاتحاد الأوروبي، وما يمكن أن تشهده من تطورات مستقبلية.
ففي الربيع/مارس 1959م، أشار محضر اجتماع رسمي بين حكومتي بريطانيا وأمريكا، والمنشور بكتاب “الصراع العربي الاسرائيلي؛ الجمهورية العربية المتحدة وشمال إفريقيا، الصادر عن الخارجية الأمريكية”، والذي جري في واشنطن، إلى قول وزير الخارجية البريطاني، لويد: “إن ليبيا يمكن أن تكون منطقة مستقرة إذا لم يكن ناصر مثيراً للفضول هناك وإن هذا ينطبق على السودان أيضًا”، ويرد الرئيس إيزنهاور متسائلاً: “ولماذا إذًا لا نقوم بإدخال بعض المعلمين إلى ليبيا حيث لدى المصريين الكثير هناك بالفعل؟”.
وعلق الكتاب، على هذا الاجتماع بأن ثورة يوليو التي انهت النفوذ الاجنبي في مصر؛ افضت الي انتهاج سياسة معينة من قبل الغرب في ليبيا تتمحور حول وجود ثقافي – يتحكم في الوعي الشعبي العربي الذي أصبح يتوق للحرية نتيجة المد الناصري – الي جانب التواجد العسكري والنفوذ الاقتصادي، مشيرًا إلى أننا من هذا نفهم أيضًا سبب السياسة الأمريكية الحالية تجاه ليبيا، والمتسمة بالغموض والقيادة من الخلف في ظل تواجد أنظمة عربية تابعة لهم شرق وغرب قناة السويس.
كتاب الصراع العربي الاسرائيلي؛ الجمهورية العربية المتحدة وشمال إفريقيا، الصادر عن الخارجية الأمريكية
وفي 13 الماء/مايو 1959 كشفت مذكرة لاجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي محاولات الهيمنة الأمريكية على النفط الليبي، وعرقلة تطوير المنشآت النفطية في ليبيا بهدف استمرار السيطرة على هذه البقعة الهامة.
كشفت ترجمة المذكرة، أن وزير الخزانة الأمريكية، كلارنس دوغلاس ديلون، قال إنه يود أن يناقش جانب مهم من الخطة، وهو أنه بدا من المحتمل أن احتياطيات كبيرة من النفط كانت جاهزة للتطوير في ليبيا، لكن شركات النفط كانت تكره أن تدفع هذا التطور بسرعة كبيرة، وبالتالي تعرض موقعها في الشرق الأوسط للخطر.
وأوضح الوزير الأمريكي، أنه إذا اُعتمدت النسخة اليسرى من مشروع الاجراءات للجنة الأمن القومي وتم تفسيرها حرفيًا، فسوف تضطر الولايات المتحدة إلى ممارسة الضغط على شركات النفط لتطوير الحقول الليبية على الفور، مشيرًا إلى أن التطور السريع للحقول الليبية سيكون له تداعيات خطيرة في الشرق الأوسط، على سبيل المثال؛ سيحول دون شراء المزيد من النفط من إيران لتعويض إيران عن انخفاض أسعار النفط، مؤكدًا أن حقول النفط الليبية تبدو واعدة لكن صناعة النفط على ما يبدو لم تكن ترغب في برنامج مكثف لتنمية الحقول الليبية.
وبيّن ديلون، أن شركة شل البريطانية مهتمة بليبيا وتطوير النفط، لكن القطاعات الكبيرة تحت سيطرة الشركات الأمريكية.
وأفادت المذكرة أن نائب الرئيس الأمريكي آنذاك رد قائلاً: “أدرك أن سياستنا هي عدم دفع تطوير حقول النفط الليبية، وإذا حثثنا الشركات على تطوير الحقول الليبية بسرعة في هذا الوقت، فإن النتيجة ستكون بمثابة اضطراب خطير في الشرق الأدنى، وإذا كان الشعب الليبي مدركاً بالكامل لموارد النفط الليبية، فإنه سيطالب بتطويرها على الفور، وبالتالي فإن أي معرفة بأن شركات النفط الأمريكية تتعمد إعاقة تطوير حقول النفط الليبية سيكون أمراً مؤسفاً للغاية”.
وفي الأيام والشهور اللاحقة لأحداث آي النار/يناير 1964م، كشفت وثائق للمخابرات الأمريكية تم الإفراج عنها في 2015م، أن أعمال الشغب مستمرة في طرابلس وأن هناك خسائر فادحة نتيجة اشعال النيران وأعمال التخريب، مشيرة إلى أن الشرطة تقول أن عدد القتلى وصل إلي 17 شخصًا، كما أن قاعدة ويليس الأمريكية أخذت تدابير وقائية، خاصة أن عدد من الأمريكان أصيبوا بجروح وكدمات غير خطيرة نتيجة تعرضهم للرمي بالحجارة.
وأشارت الوثائق، إلى قيام الملك إدريس بإسقاط فكيني واستعمال يد من حديد لضرب معارضيه، ما تسبب في ضعف موقفه وضعف موقف حكومته، لافتة إلى أن فكيني يمتلك شعبية كبيرة في ليبيا وقد يكون نقطة ارتكاز يتحد حولها معارضي النظام، ربما مع دعم مصري، كاشفة عن أن الوضع استمر في التوتر في طرابلس بعد يومين من أحداث الشغب الطلابية، وأن الجيش يقوم بدوريات في شوارع المدينة، وأن المدارس الثانوية والجامعات تم اغلاقها لمدة ثلاث أسابيع.
ولفتت الوثائق، إلى أن الملكية الليبية في مشكلة، وأن أحداث الشغب التي اندلعت اعتراضا على وحشية الشرطة، تحولت إلى مظاهرات ضد الملك لأول مرة في تاريخ ليبيا، حيث أصبحت المظاهرات تتخذ شكلاً سياسيًا محددًا ضد حكومة الملك ومع الوزير المقال فكيني.
ورصدت الوثائق، حوالي 600 عملية قبض تمت، مؤكدة على أن الشرطة التي لا تتواني في الضرب بيد من حديد، مشيرة إلى أنه في الأمد البعيد قد تتكتل هذه المعارضة الناشئة حول فكيني، الذي يمتلك شعبية، وقد يغري مصر من أجل مساعدته، بالرغم مما أظهرته مصر حاليًا من وجه جميل ولطيف، مختتمة بأن قاعدة ويليس أخذت تدابير وقائية بعد إصابة عدد من الأمريكان بالجروح والكدمات سالفة الذكر.
وكشف تقرير لجهاز الاستخبارات الأمريكية، صدر عشية منتصف الصيف/يونيو 1969م، أي قبل ثورة الفاتح/سبتمبر بشهرين ونصف، أن الغرب يضلل الشعوب التي لا تملك اقتصادها ويغذيهم بالأفكار التي يتوقون لسماعها، بينما في الحقيقة ما يقولوه في دوائرهم المغلقة شيء آخر ومختلف، حيث جاء في التقرير أن الصراع الدائر بين عائلة “الشلحي” التي استفادت من تفضيل الملك، وبين “شخصيات نافذة تستخدم ولي العهد وهو شخصية لا تملك وجود فكري عديمة الأهلية، لم يسمح إدريس بتدريبه ليكون ملكا” وهي عناصر مختلفة و متصارعة، كان الملك هو الاسمنت الذي جعلها متماسكة مع بعضها طيلة السنوات الماضية.
وتوقع التقرير، أنه في حالة سقوط الملك ستدخل البلاد في حالة فراغ بسبب عدم وجود شخصية واحدة أو مجموعة تستطيع منع الجهات المشتهية للسلطة من المسك في أعناق بعضها، بحسب التقرير.
وذكرت مجلة القوات الجوية الأمريكية، في تقرير لها تحت عنوان “سنوات قاعدة ويليس الأميركية في ليبيا”، أنه في 17 الماء/مايو 1945م سُميت قاعدة الجيش الأميركي ويليس على شرف الملازم أول، ريتشارد ويلس، وهو الطيار الذي قتل في إيران في وقت سابق من ذلك العام، مشيرًا إلى أن قاعدة ويلس في ذلك الوقت أصبحت لا تقدر بثمن للولايات المتحدة، حيث ساهمت في حرب 1967م مع القوات الإسرائيلية في 6 أيام وإلحاق الهزيمة شبه الكاملة على مصر وسوريا والأردن، والاستيلاء على سيناء ومرتفعات الجولان، والضفة الغربية وقطاع غزة، نظرًا لعلاقات لإسرائيل القريبة من واشنطن.
وتحت عنوان “دخول القذافي”، تطرق التقرير إلى القائد الشهيد، معمر القذافي، ودوره في إجلاء القاعدة الأمريكية، حيث تم تحديد مصير القاعدة في 1 الفاتح/سبتمبر 1969م، عندما قامت مجموعة صغيرة من ضباط الجيش الليبي بالسيطرة على الحكومة المركزية، وأعلن إلغاء النظام الملكي الليبي، وأعلن قيام الجمهورية العربية الليبية، مشيرًا إلى أن العقيد، دانيال جيمس، كان قد عُين آمرًا لقاعدة ويلس من فترة قصيرة في هانبيال/أغسطس 1969م، كقائد لـ 7272 الجناح المقاتل.
وأشار التقرير، إلى أن دانيال تفاوض مع القائد الشهيد، شخصيًا لإغلاق القاعدة، لافتًا إلى أن الوضع كان يتدهور بسرعة في 16 التمور/أكتوبر 1969، حيث دعا القذافي الى “تصفية القواعد الأجنبية على الأراضي الليبية”، وبعد 14 يومًا، تلقت القاعدة مذكرة من ليبية رسمية بإجراء مناقشات بشأن إجلاء القوات الأمريكية وإيقاف الرحلات الجوية وتدريب القوات الجوية الأمريكية.
وتحت عنوان “القذافي في مطار ويليس”، أشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة سعت لتأخير التداول حتى الفاتح/سبتمبر 1970م، ولكن أصر المفاوضين الليبيين أن الرحيل النهائي للقاعدة في موعد اقصاه 30 يونيو 1970، حيث أشرف دانيال جيمس، على انسحاب 4000 جندي و21 مليون دولار من الأصول القابلة للإزالة، قائلاً: “إن القذافي هدده وسحب عليه السلاح، وأن عليه الرحيل خلال شهر”، حيث استجاب جميس لطلب القذافي ورحلت قاعدة ويليس خلال شهر.
واختتم تقرير مجلة القوات الجوية الأمريكية، بأن رحيل القاعدة كان محزنًا بالنسبة لأمريكا، حيث تم إغلاق القاعدة في 11 الصيف/يونيو 1970، لتحمل اسم قاعدة معيتيقة في ليبيا.
وثيقة مسربة من المخابرات الأمريكية عن انسحاب الحكومة الأمريكية من قاعدة ويليس
كشفت وثيقة مفرج عنها من قبل المخابرات المركزية الامريكية، بتاريخ 3 هانيبال/اغسطس 2005م، عن قبول الحكومة الامريكية الانسحاب من قاعدة ويليس الجوية بطرابلس بعد لقاء جمع مجلس قيادة ثورة الفاتح وممثلين عن الولايات المتحدة الامريكية بتاريخ 11 الكانون 1969م.
وأوضحت الوثيقة أن المفاوضات الرسمية بين مجلس قيادة الثورة الجديد والأمريكان ستبدأ بتاريخ 15 الكانون/ديسمبر 1969م.
كما أكدت الوثيقة إجبار الامريكان من قبل القيادة الليبية على سحب قواتهم وقواعدهم من ليبيا خلال 100 يوم، كما أُجبرت بريطانيا على إجلاء قواعدها، موضحة أن المملكة المتحدة قد عقدت أول جلسة تفاوض بشأن إخلاء قواعدها، طالب فيها الليبيون بانسحابها على وجه السرعة، حيث اتفق وفد المملكة المتحدة بالإجماع على أنه يجب أن يقدم إطاراً وتاريخًا محددًا للانسحاب في الاجتماع الثاني يوم 13 الكانون.
ولفتت إلى رفض القيادة الليبية للمهلة التي طلبها الأمريكان للرحيل والمتمثلة في مدة زمنية من ستة إلى تسعة أشهر، موضحة أن هناك عناصر في وزارة الدفاع الامريكية كانت تؤيد تمديد المهلة لأطول فترة ممكنة، لعدة أسباب، منها إمكانية استئناف التدريب الجوي، والخوف من دعوة الليبيين لعناصر معادية لإدارة القاعدة، والاعتقاد بأن التعجيل بالانسحاب سيشجع مجلس قيادة ثورة الفاتح لاتخاذ إجراءات مستعجلة تضر بالولايات المتحدة على نحو خطير، ومصالح النفط.
وأعرب الامريكان عن اعتقادهم أن الليبيين لن يسمحوا بأي تدريب مستقبلي وأن الاتفاق الأمريكي على الإجلاء بشكل عادل، بما في ذلك تحديد موعد للانسحاب، سوف يفيد مصالح الولايات المتحدة النفطية في ليبيا، في الوقت الذي يحاول فيه إما إقصاء الولايات المتحدة أو ستكون المفاوضات ذات نتائج عكسية.
وأوضحوا إن إخلاء جميع القوات الأجنبية هي أول أهداف السياسة العامة للحكم الوطني الليبي، وهو رهان يعكس رغبات معظم الليبيين الناشطين سياسياً.
وأشارت الوثيقة إلى سعي مجلس قيادة الثورة في اجتماع القمة العربية الذي يعقد في 20 الكانون 1969م، عن اعلان موعد محدد لإجلاء القوات والقواعد البريطانية والامريكية، مؤكدة ان مصلحة ليبيا في إنتاج النفط الخاضع لسيطرة أجنبية هي في المقام الأول مالية وليست سياسية.
كما أكدت أنه طالما أن العلاقات السياسية الليبية الأمريكية مقبولة، فإن ليبيا أقل عرضة لمضايقة المنتجين الأمريكيين، مشيرة إلى حصول ليبيا على 1.3 مليار دولار من عائدات النفط في عام 1969م.
وشكل انتصار الشعب الليبي بفعل ثورة الفاتح من سبتمبر 1969م في معركة إجلاء القوات والقواعد الأجنبية إرساء لقاعدة جديدة في العلاقات الدولية من خلال استنهاضه لهمم الشعوب التي وعت منذ ذلك التاريخ خطورة وجود القوات والقواعد الأجنبية على أراضيها بانتقاصه لحريتها وانتهاكه لسيادتها الوطنية ولإخلاله بشروط الأمن والسلم العالميين اللذين لا يتحققان إلا في ظل عالم متخلص من علاقات التبعية وسياسات الهيمنة.
وفي 11 الصيف/يونيو 1978م، وبمناسبة احتفالات ذكرى جلاء القوات والقواعد الأمريكية، وذلك بقاعدة عقبة بن نافع والتي أصبح اسمها لاحقا قاعدة معيتيقة، قال القائد الشهيد، معمر الشهيد: “إنه تم الجلاء دون أن يموت نصفنا فيه.. المفروض القاعدة هذه نصفنا مات قبل أن يخرجوا منها الأمريكان لكي نعرف قيمة طرد القواعد الأجنبية.. طرد قوات الاستعمار، نعرف قيمة الحرية.. وأنا أعتبر هذا حظ تاريخي سيء الذي جعلنا نطرد قواعد أمريكا الخمس بدون قتال.. ونطرد قاعدة بريطانيا من طبرق بدون قتال.. هذا الحقيقة عامل سيء لوكان مات نصفكم في الأرض التي تقفون عليها الآن لعرفتم قيمتها”.
الانتقام الأمريكي من القائد الشهيد في 2011
ففي مقتطف من تقرير لصحيفة نيويورك تايمز بعد استجواب 70 شخصية أمنية أمريكية مطلعة عن الغارة الأمريكية على ليبيا، أوضح أنه بالنسبة إلى أوليڤر نورث، مساعد مجلس الأمن القومي للشؤون العسكرية، وهو ضابط برتبة مقدم في مشاة البحرية والذي ظهر في أوائل عام 1985م باعتباره من كبار قادة مجلس الأمن القومي المعني بالإرهاب، كانت الغارة الليبية فرصة لبدء مرحلة جديدة في الكفاح الأمريكي ضد الإرهاب – الاستخدام المباشر للقوة العسكرية.
وكان نورث، عمل كعضو في فرقة العمل الخاصة بمكافحة الإرهاب التابعة لنائب الرئيس بوش، والتي لخص تقريرها، الذي تم نشره في النوار/فبراير الماضي، بإيجاز إيجابيات وسلبيات المهمة، حيث قال: “إن استخدام قواتنا العسكرية المدربة تدريباً جيداً والقادر على توفير فرصة ممتازة للنجاح إذا أمكن تنفيذ خيار عسكري. ومع ذلك، يعتمد التوظيف الناجح على المعلومات الاستخباراتية الدقيقة والمحددة وتحديد مواقع القوات بسرعة. مهام مكافحة الإرهاب هي عمليات عالية الخطورة / عالية الكسب والتي يمكن أن يكون لها تأثير سلبي شديد على هيبة الولايات المتحدة إذا فشلت”.
أخبر نورث زملائه، أنه هو وأعوانه فقط الذين عملوا على استهداف القذافي وأنهم لم يتركوا أي سجل مكتوب، قائلاً: “لم يكن هناك أمر تنفيذي بالقتل ولا توجيه إداري لملاحقة القذافي”، كما قال أحد الضباط السابقين في مجلس الأمن القومي قوله: “لقد أخفوا أثارهم بشكل جميل.”
وتشرح الأوامر السرية المحصنة، سلسلة التصريحات النافية القوية التي أطلقت بعد انتهاءً القصف، خاصة من قِبل مسؤولي وزارة الخارجية، عندما أصبح واضحًا أن المنزل الخاص بالقذافي كان هدفًا رئيسيًا، وكان ذلك أيضًا جزءًا من أوركسترا البيت الأبيض، كما يعترف المسؤولون.
يقول أحد ضباط المخابرات الجوية المطلعين، “ليس هناك شك في أنهم كانوا يبحثون عن القذافي، حيث تم إحاطة الطيارين بذلك، لقد كانوا سيقتلونه” يعترف طيار سلاح الجو الضالع في عمليات خاصة سرية للغاية أن “الاغتيال كان هو الشيء الكبير”.
وأشار التقرير، إلى أن أول مهمة قتالية لمعظم الطيارين، كانت منزل القذافي وخيمته البدوية المموهة، حيث كان يعمل طوال الليل، داخل أراضي باب العزيزية، مشيرًا إلى أن فكرة استهداف عائلة القذافي، وفقًا لأحد مساعدي مجلس الأمن القومي، نشأت من قبل العديد من كبار ضباط C.I.A الذين ادعوا أن القذافي ووفق الثقافة البدوية سوف يتضاءل كقائد إذا لم يستطع حماية منزله.
وقد أخبر نورث زملاءه بإن معلومات استخباراتية إسرائيلية، حددت موقع دقيق للقذافي خلال ليلة طويلة من يوم 14 أبريل، حيث طارت الطائرات الحربية معاكسة للرياح القوية، حول فرنسا والبرتغال وإسبانيا إلى البحر الأبيض المتوسط. وجاء التعميم الأخير عن موقع القذافي الساعة 11:15 مساءً بتوقيت ليبيا قبل ساعتين و45 دقيقة من سقوط القنابل الأولى. كان لا يزال في العمل في خيمته.
يذكر أنه في 11 الصيف/يونيو 1970م اختفت قاعدة ويلس الجوية لتحمل اسم قاعدة عقبة بن نافع الجوية، واستمر العمل بالقاعدة تحت هذا الاسم حتى تعرضت القاعدة الليبية لقصف أمريكي بطائرات حربية في أثناء الغارة الأمريكية على ليبيا والتي استهدفت مواقع في مدينتي طرابلس وبنغازي، وذلك في 16 الطير/أبريل 1986م، وقتل وجرح فيها العشرات، في تلك العملية التي أُطلق عليها في الولايات المتحدة اسم عملية إلدورادو كانيون، ليصبح اسمها قاعدة معيتيقة الجوية نسبة إلى طفلة ليبية كانت تقطن بجوار القاعدة آنذاك، حيث ماتت تلك الطفلة إثر سقوط طائرة أمريكية فوق منزلها، حيث عانت ليبيا حصارًا جويًا فرضته الأمم المتحدة خلال التسعينات، ليتم استئناف العمل بقاعدة معيتيقة عام 1995م كمطار مدني تحت نفس الاسم “مطار معيتيقة الدولي” للرحلات الداخلية وبعض الرحلات الدولية.
والآن يبدو أنه في الذكرى 49 من إجلاء الاحتلال، وفق كثير من المراقبين، عادت ليبيا من جديد تحت سطوة وسيطرة القوى الأجنبية، بالتدخل المباشر، والتواجد على الأرض فعليا، أو من خلال بعض الليبيين المرتبطين بالأجنبي، حيث شرعن التدخل الأجنبي في ليبيا سنة 2011 للعديد من الدول الكبرى والصغيرة، بأن تواصل تدخلها في شؤون البلاد، بل وترسل بعض الدول عناصرها الأمنية والعسكرية.
وتمر ليبيا بأزمة سياسية عسكرية مستمرة، منذ العام 2011م، حيث يتنازع على السلطة حاليًا طرفان، هما؛ حكومة الوفاق المدعومة دوليًا، بقيادة فائز السراج، والطرف الثاني، الحكومة المؤقتة، والتي يدعمها مجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق.