محلي
ملمحًا إلى رفع الدعم عن الوقود.. الكبير يحاول تحسين صورة المصرف المركزي في مقال بمجلة “ذا بانكر” البريطانية
قال محافظ مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، الصديق عمر الكبير، اليوم الثلاثاء، إن البنوك المركزية في العالم عادت إلى قلب المناقشات العالمية حول القضايا الشائكة التي تتراوح بين عوائد الفائدة السلبية، وتأثير العملات الرقمية على مستقبل القطاع المصرفي العالمي.
وأضاف الكبير، في مقالة له بمجلة “ذا بانكر” البريطانية المملوكة لصحيفة “فاينانشال تايمز”، تحت عنوان “درس من مصرف ليبيا المركزي”، طالعتها وترجمتها “أوج”: “وسط هذه المناقشات، يشكك دعاة اللامركزية وإلغاء القيود التنظيمية في الفرضية الأساسية للعمل المصرفي المركزي كآلية تنظيمية مناسبة للمرحلة التالية من التطور المالي العالمي”.
وتابع الكبير: “ومع ذلك، فإن الجدل الدائر حول مستقبل البنوك المركزية، يتجاهل الدور الحاسم للجهة التنظيمية المالية في تحقيق الأمن والاستقرار والاعتدال في الأماكن التي تفتقر إلى هذه الخصائص بسبب الأزمات السياسية أو غيرها من الأزمات”.
وواصل: “هناك العديد من البلدان في العالم التي أضعفت فيها النزاعات العسكرية الطويلة مؤسسات الدولة وهياكل اجتماعية واقتصادية حيوية، وفي هذه الحالات، يمكن أن تكون الإجراءات المسؤولة من قبل البنك المركزي هي العامل الحاسم في توفير الاستراتيجيات الاقتصادية والمالية لتوفير سبل العيش الأساسية وحماية الموارد الوطنية”.
واستكمل: “إن ليبيا مثال ساطع لبنك مركزي يواجه مثل هذا التحدي، فلقد تمزقت البلاد بسبب الانقسامات السياسية المريرة، تاركة مصرف ليبيا المركزي في مواجهة صعوبة الموازنة، المتمثلة في دعم الاقتصاد الهش مع الاستمرار في كونه جهة فاعلة محايدة لصالح الليبيين في جميع أنحاء البلاد، وذلك مع الكثير من العمل الجاري في سيناريوهات عالية الخطورة ومليئة بالصراعات”.
وأردف: “أدى ظهور حكومة موازية ومؤسسات موازية في عام 2014م في بنغازي وطرابلس إلى تفاقم البيئة السياسية والاقتصادية غير المستقرة بالفعل في ليبيا والتي ترسخت في سنوات ما بعد القذافي، وهذه الانقسامات، إلى جانب تدهور الوضع الأمني وانخفاض أسعار النفط، خلقت ظروفًا غير عادية تتطلب توسيع ولاية مصرف ليبيا المركزي للحفاظ على أصول الدولة وضمان اقتصاد ليبي مستمر دون انقطاع”.
واستدرك: “كان على مصرف ليبيا المركزي أن يحول أولوياته العاجلة إلى حماية احتياطيات الدولة ودعم مؤسسات الدولة الحيوية في ليبيا وحماية سبل عيش مواطنيها، كما بذلنا جهودًا كبيرة لتأمين الأصول الليبية في الخارج والحفاظ على شبكة موثوقة من الشركاء الدوليين في وقت كانت معظم البنوك الأجنبية تغادر الأسواق النامية شديدة الخطورة”.
وقال الكبير، إن مصرف ليبيا المركزي في طرابلس يدير حصريًا تدفق المدفوعات مقابل مبيعات النفط من قبل المؤسسة الوطنية للنفط، مشيرًا إلى أن هذه العملية تتسم بالشفافية، وتيسرها البنوك الدولية الكبرى، ولم تتوقف عن طريق التفتت المؤسسي والاضطرابات السياسية.
وأوضح الكبير، أنه على الرغم من الضغوط الهائلة على الاحتياطيات الليبية بسبب ارتفاع عجز الموازنة بين عامي 2013م و2017م، فقد حافظ مصرف ليبيا المركزي على الإنفاق على القطاعات الحيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل والمرافق على أساس سنوي، قائلاً: “بالمثل، قمنا بضمان المدفوعات غير المنقطعة للرواتب العامة في جميع مناطق ليبيا، حيث أدركت إدارة مصرف ليبيا المركزي أن منع انهيار ليبيا يعتمد على قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية لجميع المواطنين وضمان استمرارية مؤسسات الدولة المركزية، وأن هذه المهمة أصبحت أكثر إلحاحًا بسبب النزاعات العنيفة المستمرة عبر الجغرافيا الواسعة في البلاد”.
ولفت الكبير، إلى أنه في عام 2014م، واجه مصرف ليبيا المركزي اختبارًا صعبًا، قائلاً: “كان الانخفاض العالمي في أسعار النفط والتوقف المتكرر في حقول وموانئ النفط الليبية بمثابة ضربة قاسية لعائدات النفط، والتي شكلت 95٪ من عائدات الحكومة، مع انخفاض الإيرادات بأكثر من عشرة أضعاف بين عامي 2012م و2016م، وذلك من 53.2 مليار دولار في عام 2012م إلى 4.8 مليار دولار في عام 2016م، فقام مصرف ليبيا المركزي بتغطية العجز السريع في ميزانية ليبيا من احتياطياتها للحفاظ على الاستدامة المالية للبلاد”.
وأضاف: “عندما وصل استخدام العملات الأجنبية في ليبيا إلى 47 مليار دولار في عام 2013، مما أدى إلى ضغط هائل على احتياطيات مصرف ليبيا المركزي، وضعنا خطة عمل لتحسين الإنفاق والحفاظ على الأموال العامة، في غضون ثلاث سنوات فقط، تمكنت ليبيا من تخفيض استخدامها للعملات الأجنبية بنسبة 75٪، إلى 12 مليار دولار فقط في عام 2016م، ومن خلال هذه الإجراءات المستهدفة، خفّض مصرف ليبيا المركزي الضغط على احتياطياته، وحسّن ميزان المدفوعات في ليبيا، وساعد على تحويل عجز الموازنة إلى فائض اعتبارًا من عام 2018م”.
وتابع: “يتطلب هذا النجاح المثابرة التي لم يرحب بها دائمًا أصحاب المصلحة في البلد، فعلى سبيل المثال، قدم مصرف ليبيا المركزي أرقام الهوية الوطنية لمنع الازدواجية والعمالة الوهمية في دفع الرواتب، وعلى الرغم من صعوبة تنفيذ هذا النهج، فقد ساهم هذا النهج – وهو أسلوب جديد لليبيا – في خفض الإنفاق على الرواتب من 25 مليار دينار (18 مليار دولار) إلى 19 مليار دينار سنويًا”.
وواصل: “ساهم تعليق برنامج دعم الغذاء في عام 2015م في توفير مليار دينار إضافي سنويًا، وهذا الدعم، الذي من خلاله مولت الحكومة الليبية حوالي 70٪ من تكلفة المواد الغذائية المستوردة لليبيين، زاد الاعتماد على الحكومة وأثقل على الميزانية”.
واستكمل: “بالإضافة إلى ذلك، ونظرًا لقيود قدرتنا على تغيير سعر الصرف الأجنبي الرسمي وسط الانقسامات السياسية، عمل مصرف ليبيا المركزي مع حكومة الوفاق في طرابلس لفرض ضريبة على مبيعات العملات الأجنبية للاستخدام الشخصي والتجاري، فعندما تم توقيع المرسوم ذي الصلة أخيرًا في سبتمبر 2018م، رفع مصرف ليبيا المركزي القيود المفروضة على معاملات العملات الأجنبية، حيث حقق 28 مليار دينار إضافي من إيرادات الدولة بين التمور/أكتوبر 2018م وناصر/يوليو 2019م”.
وأردف: “تم تخصيص جزء كبير من هذه الأموال الإضافية لاستكمال مشاريع التنمية الهامة المجمدة في ليبيا منذ عام 2011م – بما في ذلك مشاريع البنية التحتية الأساسية مثل الجامعات والمدارس والمستشفيات والعيادات العامة والطرق وخطوط الاتصالات السلكية واللاسلكية، وذلك بمعدل إنجاز أكثر من 80٪، ونتيجة لسياسات مصرف ليبيا المركزي في سوق الصرف الأجنبي، والتي ابتليت لسنوات طويلة بأسعار المضاربة في السوق السوداء، عزز الدينار الليبي من 9.75 مقابل الدولار الأمريكي في عام 2016م إلى 2017م إلى 4.10 مقابل الدولار الأمريكي في هانيبال/أغسطس 2019م، فأنتجت زيادة تقارب 60٪ في القوة الشرائية للدينار الليبي والمستوى الفعلي للدخل الحقيقي للفرد”.
واستدرك: “بالإضافة إلى ذلك، تقلص مستوى التضخم من ذروته البالغة 28.5٪ في عام 2017م إلى معدل سلبي قدره 7.1٪ في الصيف/يونيو 2019م، وبالنسبة للمستهلكين الليبيين، ساعدت هذه السياسات على تحقيق استقرار ملحوظ في الأسعار التي يدفعونها مقابل سلعهم، والتأثير على أسعار صرف العملات الأجنبية في السوق الموازية، والقضاء على الفجوة بين سعر الشراء نقدًا مقابل الأدوات الأخرى، ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، فلم يتم بعد تنفيذ العديد من المبادرات المقترحة من برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي، الذي تم تطويره في عام 2018 بواسطة مصرف ليبيا المركزي بالاشتراك مع حكومة الوفاق الوطني”.
وأشار الكبير، إلى أنه على سبيل المثال، سيكون إصلاح دعم الوقود أمرًا أساسيًا لإعادة التوازن للميزانية الليبية والاقتصاد الكلي، قائلاً: “لكن تنفيذه يتطلب إرادة سياسية والتزامًا لم تظهره الحكومة بعد، حيث يدفع الليبيون حوالي 10 سنتات فقط لكل لتر من البنزين، وهو ما يمثل جزءًا ضئيلًا ولا يمكن تحمله من سعر السوق، مع تغطية الباقي حاليًا من قبل الحكومة”.
وكشف محافظ مصرف ليبيا المركزي، أن تسهيل وصول الليبيين إلى السيولة في جميع أنحاء البلاد كان أولوية وتحديًا للمصرف المركزي، قائلاً: “لهذا السبب استثمرنا في تطوير قنوات الدفع الإلكترونية، خاصة وأن ليبيا بلد ذي اقتصاد يعتمد على النقد، فكان تشجيع السكان على استخدام خيارات الدفع الإلكتروني صعبًا، وروج مصرف ليبيا المركزي بنشاط لاستخدام البطاقات المصرفية بين السكان الليبيين، وحققت نموًا ملحوظًا في البطاقات المحلية التي تم تفعيلها حديثًا من 91،500 في عام 2016م إلى 581000 في النصف الأول من عام 2019م، وقد أدى دمج عمليات الدفع عبر الهاتف المحمول كجزء من استراتيجية الدمج المالي للبنك إلى تسهيل الوصول للخدمات المصرفية لآلاف الليبيين”.
وأكد الكبير، أنه في النصف الأول من عام 2019م، بلغت القيمة الإجمالية للمعاملات الإلكترونية من خلال جميع القنوات المالية 1.6 مليار دينار ليبي، لافتًا إلى أنه مؤشر هام لليبيا، قائلاً: “ساهمت هذه التطورات بشكل كبير في تخفيف أزمة النقص النقدي وتقليص الهامش بين النقد وقيمة الشيك بالدينار الليبي، والأهم من ذلك، أنها حسنت وصول السيولة إلى جميع الليبيين، مع أو بدون التعرض المصرفي الحالي”.
وتابع: “في هذه الأثناء، واصل مصرف ليبيا المركزي تحويل الأموال النقدية إلى مناطق مختلفة في جميع أنحاء البلاد على الرغم من مخاطر السلامة، تدهور الوضع الأمني غير المستقر بالفعل في ليبيا منذ بدء الهجوم على طرابلس في أبريل، مما يجعل جهود المصرف المركزي الليبي المستمرة للحفاظ على السيولة في البنوك المحلية بالغة الصعوبة”.
وواصل: “في حادثة وقعت مؤخرًا، في مايو 2019، اختطفت جماعات مسلحة شاحنة مليئة بالنقود أثناء محاولة لتسليم الأموال إلى فروع البنوك التجارية في مدينة جادو في غرب ليبيا، واليوم، هذا جزء من الواقع على الأرض للقيام بعملنا، فالظروف غير العادية في ليبيا على مدى السنوات الخمس الماضية استلزمت أن يتحمل مصرف ليبيا المركزي مسؤوليات ليست عادية لبنك مركزي، وتبرز هذه الظروف أهمية الفرضية الأساسية للبنك المركزي، والمبنية على استقلاله وحياده، علاوة على ذلك، فإنهم يخلقون سياقًا لإظهار الدور الأساسي الذي يمكن للبنك المركزي، ويجب عليه، أن يلعبه إذا كان البلد في صراع مؤسف للغاية مثل تلك التي تواجهها ليبيا”.
واختتم الكبير: “في ظل ظروف هذه الحرب، كانت هناك معركة يومية لمصرف ليبيا المركزي من أجل الحفاظ على استقلاله مع كل قرار وكل خطوة سياسية تبدأها، ولا يبدو أن هناك نهاية للعقبات الصعبة والخطيرة التي تعترض طريق الوفاء بواجبات البنك، حتى الواجبات العادية، لكن عندما يعتمد ملايين الليبيين على قدرة مؤسستك على الحفاظ على تماسك البلد، فإن المسؤولية التي نواجهها تشكل تحديًا هائلًا وجديرًا بالاهتمام”.