محلي

من جحيم اليمن إلى هناجر ليبيا.. قصص مأساوية ليمنيين لدى عصابات التهريب في ليبيا


ضحايا محاولات الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا، أعدادهم تتزايد يومًا بعد آخر ولا تتوقف معاناتهم على مخاطر القوارب غير الشرعية، لكن عصابات الإتجار بالبشر أشد خطرًا وفتكًا بمن يقع تحت أيديهم، فنواف النبهاني، مروان الحارثي، عباس علي حسن، يحيى أحمد عبدالعزيز، وآخرون، يمنيون كانوا في ماليزيا والسعودية والسودان، قرروا الهجرة حالمين بالوصول إلى أوروبا، لكنهم وجدوا أنفسهم في ليبيا داخل هناجر يتعرضون للتعذيب ويُطلب من أهاليهم آلاف الدولارات كفدية.
نواف النبهاني
صديق نواف النبهاني، المختطف لدى عصابات التهريب في ليبيا، قال: “لا نعرف مصير نواف، وهل ما زال على قيد الحياة أم لا؟، لقد كانوا يعذبونه بوحشية، في كل مرة كانوا يتصلون بأسرته يهددون بقتله، ويسمعونها صرخات تعذيب نواف بهدف إجبارها على دفع فدية”.
نواف النبهاني، 27 عامًا، متزوج منذ عام، كان يعمل في ماليزيا وفقد عمله، ولم يفلح في الحصول على عمل آخر، شعر باليأس والإحباط فقرر الهجرة إلى أوروبا، كانت وجهته السودان، وهناك وفي منتصف رمضان الفائت فقدت الأسرة أثره، وفي أواخر رمضان الماضي جاءهم اتصال من مجهول ومن رقم خارج اليمن وغير معروف، قال المتصل مهدداً: “ولدكم نواف لدينا في ليبيا ادفعوا مقابل إطلاقه وإلا سنقتله”.
ستة أشهر والأسرة تعيش وضعًا نفسيًا سيئًا، زاده انقطاع اتصالهم معه منذ ما قبل عيد الأضحى، ومن ذلك الحين لا يعرف مصيره، طالبت الأسرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الحكومة اليمنية بمساعدتهم من أجل إطلاقه لكن أحداً لم يتفاعل.
وأضاف منير وهو أحد أقرباء النبهاني: “عندما كانوا يتصلون بنا كانوا يتعمدون إسماعنا صرخات وأنين نواف وهم يعذبونه، طلبوا أربعة آلاف دولار فدية”، وأردف قائلاً: “بسبب الوضع الذي وصلنا إليه في اليمن ومع انقطاع المرتبات لا نستطيع دفع هذا المبلغ، حاولنا معهم من أجل تخفيضه لكنهم لم يقبلوا، بل طالبوا بالضعف، ثمانية آلاف دولار”.
يقول صديق نواف: “حاولنا التواصل مع السفير اليمني في ليبيا وطلب منا ألا نتفاوض مع العصابة ولا نرد على اتصالاتهم، وأن السفارة سترى ما الذي ستفعله، لفترة انتظرنا وتواصلنا مرة أخرى بالسفير، قال لنا: لا يوجد حل غير دفع المال وأنهم، أي السفارة، كانوا يبحثون عن جهة تضمن أموالهم مقابل خروج نواف وقد وجدوا”.
وأردف: “صُدمنا بكلام السفير، العصابة كانت تعلم بتواصلنا معه وزادت تهديداتهم ورفعت المبلغ إلى ثمانية آلاف دولار، ولم يتم تجميع سوى الـ2000 دولار.. باعت زوجته كل ما تملك من أجل توفيره، وأرسلناه إلى شخص كان لديه ابن خالته محتجز لدى العصابة وأطلق مقابل فدية، العصابة قالت تريد المبلغ كاملاً أو سيكون لها تصرف أخر، وانقطع التواصل من حينها ولا نعلم شيئاً عن نواف”.
يحيى أحمد
المهاجر السوري (ب. س)، الذي أطلق سراحه بعد دفع فدية وبعد أن استمرت العصابة لفترة بابتزاز عمه، قال: “يحيى وضعه سيئ أنقذوه”، مضيفًا: “صادروا منا كل شيء، أموالنا وهواتفنا المحمولة وجوازات السفر لقد رأيت الموت أمامي مرات كثيرة”.
وأكد المهاجر السوري، أنه لثلاثة أشهر احتجز في منطقة “الكفرة” لدى شخص ليبي يدعى فوزي أبو سكران، تعرض خلالها للتعذيب الشديد، ثم بيع وآخرون لشخص ثانٍ لا يعرف اسمه ولم يكن الوضع لديه أفضل، وبعد أسبوع نقل إلى منطقة تازربو، وهناك وجد كثيراً من المختطفين وآثار التعذيب على أجسادهم.
وأوضح أنهم ظلوا ثلاثة أيام قبل نقلهم إلى أجدابيا، وحرموا لـ42ساعة من الطعام والشراب، ثم نقلوا إلى بني وليد واحتجزوا في هنجر كبير مليء بالمهاجرين من جنسيات مختلفة يملكه شخص ليبي يدعى “عبد المنعم” في “بني وليد” تعرف على ثلاثة شباب يمنيين يحيى وعباس ومحمد، نقلوا إلى “براك الشاطئ”، التي يحتجز فيها حالياً يحيى وعباس، وظل محمد ببني وليد، وأنهم قالوا لهم لقد اشتريناكم من مهربين في “الكفرة”، وعلى كل شخص دفع خمسة آلاف دولار ليطلق سراحه.
يقول المهاجر السوري: “رأيت أفارقة يُعذبون، وتوفي أناس وفقد آخرون عقولهم؛ لقد شهدت وفاة شاب صومالي في الكفرة”، مؤكدًا أن من كان يتزعم العصابة التي اختطفتهم سوداني الجنسية ويقيم في السودان، والأموال ترسل له إلى هناك، أما الذين في ليبيا فهم بقية أعضاء الشبكة ومن جنسيات مختلفة.
أما يحيى أحمد عبد العزيز، 26 عامًا، فكان يملك متجرًا لبيع العطور في السعودية، وبسبب قرارات سعودة هذه المهنة لجأ إلى توظيف فتاة سعودية في المتجر، ويذهب هو لشراء بضاعة للمتجر من سوق الجملة، انتهت إقامته ولم تعطه السلطات السعودية فرصة لتجديدها، ألقي القبض عليه وتم ترحيله إلى عدن، فوجد نفسه وقد خسر كل شي، وعاد مرحلاً إلى بلد مدمر، لا أمان ولا مستقبل فيه، فكان قرار الهجرة إلى أوروبا، حيث غادر وصديقه عباس علي حسن عدن إلى السودان ومنها إلى ليبيا.
يقول عبد العزيز عم يحيى: “كانت رحلة يحيى وعباس إلى الخرطوم يوم 7 الحرث/نوفمبر 2018م، حيث بقيا لأيام في الخرطوم قبل مغادرتهما عبر الصحراء إلى ليبيا، وفي ليبيا أقاما في منزل أحدهم لأسبوعين لم يتعرضا خلالهما لأي تعذيب، وبعد الأسبوعين لم تصلنا منهما أية أخبار، حتى اتصل بي يحيى وأخبرني أنه محتجز في هنجر كبير مليء بالمحتجزين لدى عصابة وتطلب فدية عشرة آلاف دولار من أجل إطلاقه وعباس، وهددونا بإيذائهم لقد ضربوهم، كنت أسمع صراخهم على الهاتف، يتم تجويعهم، وصب الماء البارد عليهم وهم نائمون، أول هنجر وصلوا إليه في ليبيا تعرضوا للتسمم مرض الجميع وتوفي شاب صومالي في العشرين من عمره بسبب رفض أحد السجانين، سوداني الجنسية، إعطاءه الدواء رغم أنه كان يرى جسد الشاب يتورم ظل يتألم لعشرة أيام إلى أن توفي، يحيى وآخرين قاموا بغسله ودفنه هناك”.
وتابع: “أثناء وجود عباس ويحيى في السودان، حذرهما شاب سوداني يدعى فضل، من المغامرة لكنهما لم يستمعا إليه”، وبحسب فضل، الشاب السوداني الذي ساعدهما فإن شخصًا يدعى محمد السوداني هو من كان يحتجزهم”.
ومن جهته سرد فضل التفاصيل قائلاً: “التقيت بيحيى وعباس في مطعم يمني، أخبراني عزمهما على السفر بمعية مهرب، حذرتهما، لكنهما أصرا وغادرا مع المهرب السوداني.. بعد فترة قصيرة جاءني اتصال منهما يخبراني أنهما محتجزان في دار السلام بذلت جهوداً لإطلاقهما وعادا إلى السودان بعد وعود بعدم إعادة المحاولة”.
وأضاف: “قلت لهما أنتما في ضيافتي وبأني سأتكفل بإقامتيهما في السودان، وعليهما عدم السفر إلى ليبيا، وان أردا العودة إلى اليمن سأتكفل بتذكرتيهما وكل ما قد يحتاجان إليه، لكنهما قررا المحاولة مرة أخرى، فوقع الصديقان في قبضة العصابة بمنطقة الكفرة، فاتصلا بي ثم أغلقت العصابة الهاتف ليومين وبعد يومين عاودت الاتصال بي وطلبت المال منه، عشرة ألاف دولار عن كل شخص”.
وأشار فضل إلى أنه اتفق مع العصابة على دفع المبلغ وإرسال شخص لاستلامه، بعد ساعات اتصل الشخص قائلاً: لن آتِ إلى مكتبك وهو المكان الذي حدد فيه اللقاء، ضع المال في مكان وسوف أمر لأخذه، أنا لا أثق بنواياك، وهو ما رفضه فضل.
من جديد تواصلت العصابة مع أسرة يحيى طالبة فدية من أجل إطلاقه، تجاوب عمه خصوصاً بعد تعرض يحيى وصديقه للتعذيب، وبدأ بمساومتها طلبت خمسة آلاف دولار عن كل شخص، وتم الاتفاق على تحويل ثلاثة آلاف دولار عن كل شخص، مبدئيًا، وتحويل الأربعة آلاف دولار المتبقية عقب الإفراج عنهما، وتم تحويل المبلغ ليُفاجأ باتصال من شخص أخر يطلب عشرة آلاف دولار، مبررًا ذلك بأن الشخص الذي اتصل به سابقًا وأرسل إليه المبلغ ليس من أفراد العصابة.
تأكد عبد العزيز أن العصابة ستستمر بابتزازه ولن تلتزم بما اتفق عليه، وأبلغهم بأنه لن يرسل لهم أي مبلغ مالي بعد الآن، استمروا بإرسال رسائل عبر الواتساب، وأحياناً يتصلون من أرقام أخرى ولديهم عروض جديدة: مثل أن يتم إرسال مبلغ مقابل الإفراج عن عباس وإرساله من الكفرة إلى طرابلس وبعد خروج عباس يتم تحويل بقية المبلغ ويتم الإفراج عن يحيى وهكذا تتواصل العروض والاتصالات كل يوم تقريباً لكنه يتجاهلهم لأنه كما يقول لا يثق بهم.
وتؤكد تقارير أممية تعرض المهاجرين في مراكز الإيواء للتعذيب والاغتصاب، والعمل القسري والاستغلال الجنسي وهو ما وثقته “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الصادر هذا العام، أشار التقرير إلى أربعة مراكز احتجاز قاموا بزيارتها تخضع شكليًا لسلطة جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، حراسها يمارسون انتهاكات بحق المهاجرين؛ الأمر الذي أكده الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة في إحاطته أمام مجلس الأمن مطلع سبتمبر من العام الحالي
وتقول هيومن رايتس “هناك أدلة كثيرة على أن المهربين يعملون بدرجات متفاوتة من التواطؤ مع مسؤولين حكوميين وميليشيات، مستندة إلى تقرير سري لفريق خبراء الأمم المتحدة في النوار/فبراير 2018م سرب للإعلام والذي خلص إلى أن أغلب جماعات التهريب لها صلات بمؤسسات أمنية رسمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى