محلي
من خلف خطوط القتال.. العفو الدولية: طرفا النزاع الليبي مدانون بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب
أوج – طرابلس
أجرت منظمة العفو الدولية، تحقيقا ميدانيا متعمقا من خطوط القتال عن الآثار المترتبة على العمليات العسكرية الدائرة في العاصمة طرابلس وما حولها منذ الرابع من الطير/أبريل الماضي، وخلصت إلى أن المدنيين من يدفعون ثمن هذا الصراع.
وقالت المنظمة الدولية، في تقريرها الجديد، اليوم الثلاثاء، طالعته وترجمته “أوج”، إن “الأطراف المتحاربة” قتلت وجرحت عشرات المدنيين من خلال شن هجمات عشوائية واستخدام مجموعة من الأسلحة المتفجرة غير الدقيقة في المناطق الحضرية المأهولة بالسكان.
وزار فريق من المنظمة 33 موقعا لضربة جوية وبرية في العاصمة والمناطق المحيطة بها، واكتشف أدلة على ما اعتبرها “جرائم حرب محتملة” من قبل كل من حكومة الوفاق المدعومة دوليا، وقوات الكرامة.
من جانبها، قالت كبير مستشاري الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية، دوناتيلا روفيرا، إن تحقيقهم الميداني على كلا جانبي خط المواجهة، كشف عن تجاهل منهجي للقانون الدولي بسبب استمرار توريد الأسلحة للجانبين في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة.
واستند محققو المنظمة الدولية، إلى زيارات ميدانية أجروها في الفترة من 1 إلى 14 هانيبال/أغسطس الماضي، لمواقع القتال لـ”طرفي النزاع” في طرابلس وتاجوراء وعين زارة وقصر بن غشير وترهونة، قابلوا خلالها 156 مواطنا، بمن فيهم الناجون والشهود وأقارب الضحايا، وكذلك المسؤولين المحليين والعاملين الطبيين و”أفراد الميليشيات”.
كما أجرى خبراء العفو الدولية في مجال الاستشعار عن بُعد، والأسلحة والذخائر، والتحقق من الصور الفوتوغرافية والفيديو، وأعضاء فريق التحقق الرقمي، تحقيقا مفتوح المصدر في العديد من الغارات.
وذكر التحقيق، أن كلا المسؤولين في قوات الكرامة، وقوات حكومة الوفاق المدعومة دوليا، رفضوا الإجابة على الأسئلة التي وجهتها المنظمة بشأن الضربات.
ووصفت المنظمة، الهجمات التي وثقتها بـ”العشوائية أو غير المتناسبة”، معتبرة أن هذا يعني أنها تنتهك المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي ويمكن أن ترقى إلى جرائم الحرب، مشيرة إلى الخطر الذي يتعرض له المدنيين جراء وجود المقاتلين في المنازل والمرافق الطبية المدنية أو بالقرب منها.
ورصد التحقيق، حالات قتلى وجرحى المدنيين من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم عامين وكانوا يلعبون خارج منازلهم، والمشيعون الذين يحضرون جنازة، والناس العاديين الذين يمارسون أنشطتهم اليومية.
ونقلت المنظمة شهادات لبعض العائلات التي تعرض ذووها للقتل والإصابة جراء الاشتباكات بين قوات الكرامة، وقوات الوفاق، وأوردت شهادة لامرأة قتل زوجها، البالغ من العمر 56 عامًا وهو أب لستة أطفال، جراء إصابته بصاروخ على منزله في حي أبو سليم في الهجوم الذي شنته “قوات الكرامة” في السادس عشر من الطير/أبريل الماضي.
وأفادت المنظمة، بأن الكرامة، أمطرت المنطقة بـ”ستة صواريخ جراد” غير دقيقة أصابت عدة مبانٍ في المدينة، مما أدى إلى مقتل ثمانية مدنيين وإصابة ثمانية آخرين.
وأفاد التحقيق، بمقتل خمسة مدنيين على الأقل وإصابة أكثر من عشرة، جراء قصف مدفعي من قوات الوفاق، على حي قصر بن غشير المدني المكتظ بالسكان في 14 الماء/مايو الماضي، استهدف مبنى من ثلاثة طوابق، في حين كانوا يتجهزون لحضور جنازة أحد جيرانهم.
فيما قال أحد شهود العيان “كنت في المنزل وكان أخي يقف بالخارج في الشارع، وحدثت غارة فهرعت إلى الخارج ورأيت الكثير من الجيران ما بين قتلى وجرحى على الأرض؛ كانت هناك أجزاء الجسم مقطوعة، لقد كان مشهد مروع، ثم وجدت أخي مصاب في كل أنحاء جسمه، ومات متأثرا بجراحه”.
كما رصدت غارة جوية أخرى للوفاق، على منطقتي قصر بن غشير وترهونة، لافتة إلى أن هذه الغارات أصابت المنازل المدنية والبنية التحتية، مستخدمة قنابل “المظلة”FAB-500ShL غير الموجهة، مع دائرة نصف قطرها انفجار أكثر من 800 متر، مشددة على أن هذا النوع من الأسلحة غير صالح للاستخدام في المناطق الحضرية المأهولة بالسكان.
واستنادا إلى فحص الدولية شظايا الحفر والذخائر في العديد من مواقع الضربات بمطار طرابلس ومنازل مدنية ومدرسة قريبة، أثبتت أن قوات الكرامة، استخدمت أسلحة متفجرة كبيرة غير موجهة.
كما أشارت إلى استهداف قوات الكرامة لسيارات إسعاف أو المستشفيات الميدانية، مبرزة أن مقاتلي الوفاق، استخدموا هذه المستشفيات الميدانية والمرافق الطبية للأغراض العسكرية، مما جعلهم عرضة للهجمات.
ووصفت المنظمة في تحقيقها، الهجوم الصاروخي الذي شنته الكرامة، على مستشفى ميداني بالقرب من مطار طرابلس الدولي بـ” الأكثر دموية”، موضحة أنه أسفر عن مقتل خمسة مسعفين وإنقاذ وجرح ثمانية آخرين، واستناداً إلى شظايا ذخيرة Blue Arrow 7 التي عثر عليها في الموقع وأدلة أخرى، قررت العفو الدولية أن الضربة نفذت باستخدام طائرة بدون طيار صينية لونج، مشيرة إلى دولة الإمارات، تحارب بالنيابة عن قوات الكرامة.
واتهمت المنظمة كل من الإمارات وتركيا بدعم أطراف النزاع بالأسلحة، فيما حث كبير مستشاري برنامج الأزمات المختص بالأسلحة والعمليات العسكرية، برايان كاستنر، المجتمع الدولي، على دعم حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة والذي انتهكته تركيا والإمارات ودول أخرى بشكل صارخ.
وطالب جميع الأطراف الدولية الفاعلة في ليبيا، باتخاذ خطوات فورية وملموسة لحماية المدنيين بما يتماشى مع قوانين الحرب والتحقيق في سلوك قواتهم.
فيما نادت روفيرا، بإنشاء لجنة تحقيق لتمهيد الطريق لتحقيق العدالة وجبر الضرر للضحايا وعائلاتهم، مناشدة أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على العمل سويًا لإنشاء هذه الآلية بشكل فوري، لأنها ستحدد المسؤولية عن الانتهاكات والحفاظ على أدلة الجرائم.
يذكر أن خليفة حفتر، أعلن يوم 4 الطير/أبريل الماضي، إطلاق عملية لـ”تحرير” العاصمة طرابلس من قبضة “الميليشيات والجماعات المسلحة”، بالتزامن مع إعلان المبعوث الأممي في ليبيا، عن عقد الملتقى الوطني الجامع، بين 14- 16 الطير/أبريل الماضي بمدينة غدامس.
وكان الأمين العام للجامعة العربية دعا جميع الأطراف الليبية لضبط النفس وخفض حالة التصعيد الميدانية الناتجة عن التحركات العسكرية الأخيرة في المناطق الغربية من البلاد، والالتزام بالمسار السياسي باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة في ليبيا، والعودة إلى الحوار الهادف للتوصل لتسوية وطنية خالصة لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها.
وتمر ليبيا بأزمة سياسية عسكرية مستمرة، منذ العام 2011م، حيث يتنازع على السلطة حاليًا طرفان، هما؛ حكومة الوفاق المدعومة دوليًا، بقيادة فائز السراج، والطرف الثاني، حكومة شرق ليبيا المؤقتة، والتي يدعمها مجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق.